كولر غالب الداودي
وصلت بلاد الرافدين إلى قمة مجدها الحضاري في العصر البابلي عام
538 - 626 ق.م، حيث كان ذلك في زمن حكم نبوخذ نصر الثاني، الذي استمر أربعين عاما وهي فترة عنفوان المجد الحضاري في ذلك الوقت، بينما حفظت البقايا البنائية من المعالم لهذه الأبنية في المواقع الأثرية وأبرزها في مدينة بابل، التي اشتهرت بالآثار المتنوعة، ومن ضمنها معبد ننماخ الكبير والرئيس من بين المعابد الكثيرة.
غاسل الذنوب
ويعدُّ هذا المعبد من أهم معابد الدولة البابليَّة القديمة، اذ كان مخصصا للنساء، حيث كانوا يجلسن في هذا المعبد لمرة واحدة في السنة يطلبن الزواج المقدس، وكذلك توجد فيه البئر المقدسة، التي يحرم الاستحمام فيها لاعتقادهم بأنها تزيل جميع ذنوبهم، وقد تمَّ بناؤها ضمن منطقة بوابة عشتار، وقد خصصت لآلهة اينماخ، التي هي من الآلهات الرئيسة في العراق القديم.
يتحدث ممثل الهيئة العامة للآثار عمار محسن عبود لـ(الصباح) حيث يقول: "في بداية عملنا وضعنا دراسة كاملة للمعبد لمعرفة الأضرار وعمل صور عالية الدقة، حيث استعين بفريق الماني لعمل تقرير انشائي للمعبد لمعرفة الاضرار، وحاليًا بدأ العمل في المعبد قبل شهرين مع الهيئة العامة للآثار والمنظمة الدولية المتكونة من فريق متعدد الجنسيات، واستغرق مدة سنة فقط للدراسة عن المعبد، وبعدها بدأنا بالصيانة الفعليَّة".
اكتشافات
أوضح عمار أن الالمان وجدوا اثناء تنقيبهم بعض اللقى الاثرية من خلال التنقيبات، ووجدوا أن المعبد يتكون من طبقات تعود إلى ملك بابلي، وعثروا على ارشيف يتكون من مجموعة نصوص مسمارية تعود إلى العصر البابلي الحديث، وعملوا مجسا كبيرا، عمقه متر، وفي الستينات رجع العراقيون في ذلك الوقت وبنوا جدران اللبن فوق الجدران الأصلية، اما بعد سنة 2002 لم تحدث صيانة للموقع، لذلك تعرض المعبد إلى أضرار، ومن ضمنها المجس والمسبار بسبب دخول مياه الأمطار، وانخفاض الأرض وانسحاب الجدران وحدوث انكسارات وتعرجات بالجدران".
ترميم المعبد
واستمر عمار في شرحه لصيانة المعبد، وقال: "بدأت منظمة النصب العالمية world monuments fund بالاشتراك مع الهيئة العامة للاثار بترميم المعبد، والبدء بالجزء الأكثر تضررًا وهو المسبار، وتمَّ حفرُ حفرة بطريقة صحيحة والضغط عليها جيدا، ورفعت الأجزاء المتضررة من الجدران، وحاليا يعاد بناؤه مع القوس". واضاف "توجد خطة للمنظمة باستخدام المواد الطبيعية في صيانة المعبد ووفق المعايير الدولية، ووفق التاريخ الاصلي للمعبد، وبالمواد نفسها، التي كانت تستخدم سابقًا من اللبن وبالمواصفات البابلية نفسها تقريبًا، والابتعاد عن المواد الحديثة وخاصة الاسمنت، لانه لا يصلح في البناء الترابي، ويستعاض عنه باستخدام الاساليب القديمة من الملار الطيني، والاسفلت والتسقيف بمواد خفيفة من القصب وجذوع النخيل والأشجار المحلية المتوفرة والغرى".
ونوه إلى التأمل من انتهاء أعمال الصيانة في المعبد نهاية عام 2023.
وذكر السيد حسين فليح العماري مدير موقع بابل للتراث العالمي ومدير اثار بابل "إن الاجراءات التي عملت من تحسين الاثار وما لها صلة بها قد غيرت بابل تغير جذري نحو الافضل من خلال حركة السياح، وبسبب نظافة الموقع وتزامن الصيانة، وكثرت الايرادات قياسًا الى السابق، ولكن حاليًا توقف التمويل من جميع الجهات الممولة ولايوجد مبالغ لتكملة صيانة المشروع". ويضيف "نتأمل من السفارة الامريكية زيارة المدينة الاثرية ومشاهدة نتائج عمل الصيانة لتكمل دعمها في اعمال الصيانة وليس فقط من السفارة الأميركية، وننتظر التمويل والدعم من أي منظمة اجنبية تسهم بدعم المدينة الاثرية وتاهيل المباني الاثرية الموجودة في هذا الموقع". ومن جهته ذكر السيد اسامة هشام مدير مشروع مستقبل بابل منفذ من قبل منظمة صندوق النصب العالمية، والممول من قبل حكومة الولايات المتحدة الامريكية أن "مراحل الصيانة السابقة للمعبد كانت تحتوي على اخطاء كثيرة، ومن ضمنها عندما فتحنا القوس في الجهة الشرقية للمعبد، تبين لنا مشكلة أخرى في الجهة الغربية للقوس، ولذلك أجبرنا على معالجة الجهة الغربية ايضا، وهذه المواقف تاخذ منا وقتًا وجهدًا".
ولفت إلى اهمية هذا المعبد، لان موقعه امام القصر الجنوبي وتقع بجانبه بوابة عشتار، وركزت عليه منظمة النصب العالمية في الصيانة بهدف تحسين السياحة في بابل لاشتراكه بعوامل كثيرة مع بوابة عشتار من حيث طبيعة الارض ومياه الامطار، وتوجيهها الى خارج المنطقة دون التاثير على البناء".
السيّاحة واثرها
أشار السيد اسامة الى "تواجد الزوار والسياح في المواقع الاثرية لمدينة بابل بالرغم من وجود اعمال الصيانة، ولم نمنعهم من دخولها، ومنظمة النصب العالمية هي التي تقوم باعمال الصيانة، وهي منظمة عريقة، حيث تم تاسيسها منذ اكثر من ٥٨ عاما، وتختص فقط بصيانة النصب التذكارية والمعالم الاثرية".