انقلاب 14 رمضان المشؤوم في الذاكرة الأميركيَّة

آراء 2023/04/05
...



  د.عبدالله حميد العتابي


بدأت واشنطن التعامل مع الشأن العراقي لايجاد نظام بديل عن حكم عبد الكريم، فانصب اهتمامها في هذا المضمار إلى ايجاد صيغة مشتركة للتعاون مع القوى القومية في العراق، تقود الحكومة العراقية الجديدة وتنتهج سياسة متوازنة مع الغرب والدول العربية، قدر تعلق الامر بالوثائق الأميركية، ففي أبريل/ نيسان 1962، أصدرت وزارة الخارجية مبادئ توجيهية جديدة بشأن العراق تهدف إلى زيادة النفوذ الأميركي في البلاد. في الوقت نفسه تقريبًا، أصدر الرئيس كيندي تعليماته لوكالة المخابرات المركزية (CIA) – بتوجيه من أرشي روزفلت الابن ( مهندس الانقلابات في الشرق الأوسط ) – لبدء الاستعدادات لانقلاب عسكري ضد عبد الكريم قاسم. وفي 2 يونيو/ حزيران 1962، أمر وزير الخارجية العراقي هاشم جواد جيرنيغان بمغادرة البلاد، مشيرًا إلى أن العراق يسحب أيضًا سفيره من واشنطن ردًا على قبول الولايات المتحدة أوراق اعتماد سفير كويتي جديد في الأول من يونيو/ حزيران، وهو ما حذّر العراق مرارًا من أنه سينتج عنه. أي تخفيض العلاقات الدبلوماسية. على الرغم من التحذيرات العراقية، أصيب كبار المسؤولين الأميركيين بالذهول من خفض التصنيف. لم يتم إبلاغ الرئيس كيندي بالنتائج المحتملة لقبول السفير الكويتي. (سيار الجميل، وثائق اميركية تؤكد سر ما اعلنه عن انقلاب 8 

شباط 1963). 

ولكن بحلول نهاية عام 1962، وفي وثيقة اخرى، أدت سلسلة من الاخفاقات على أيدي المتمردين الأكراد إلى إلحاق أضرار جسيمة بمعنويات الجيش العراقي وانخفض الدعم الشعبي لقاسم. وكانت المرحلة صعبة بين شهر سبتمبر/ أيلول 1962 حتى فبراير/ شباط 1963، فقد ألقى عبد الكريم قاسم مرارًا وتكرارًا باللوم على "الأنشطة الإجرامية" للولايات المتحدة في نجاحات الأكراد على ساحة المعركة، لكن وزارة الخارجية رفضت طلبات من القائم بالأعمال الأميركي في بغداد، روي ميلبورن، للرد علنًا على قاسم. ومزاعمه – على حد تعبيره – خشية أن يعرض ذلك الوجود الأميركي المتبقي في العراق للخطر. في 5 شباط (فبراير) 1963، أبلغ وزير الخارجية دين راسك السفارة الأميركية في العراق أن وزارة الخارجية "تدرس بعناية ما إذا كانت المصالح الأميركية المتوازنة ستتحقق في هذا (المنعطف) بالذات من خلال التخلي عن سياستها في تجنب رد الفعل العام على قاسم". وذلك بامتصاص الاتهامات، "مع التردد النابع من الرغبة في تجنب المساومة على"، عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية المهمة لوكالة المخابرات المركزية: في 7 فبراير/ شباط، أبلغ السكرتير التنفيذي لوزارة الخارجية ويليام بروبيك بوندي أن العراق أصبح، أحد أكثر المواقع المفيدة للحصول على معلومات تقنية عن المعدات العسكرية والصناعية السوفيتية وحول الأساليب السوفيتية للعمليات في مناطق عدم الانحياز. خصوصا برنامج الصواريخ. مع إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية المهمة في الميزان، أظهر المسؤولون الأميركيون ترددًا كبيرًا بشأن مفاقمة الرد على قاسم. وكان ما كان في صباح 14 رمضان. ومن الجدير بالذكر، قامت وكالة الأمن القومي بتجميع قائمة بالشيوعيين العراقيين ممثلة بتوقيعي كل من جون ماكون، مسؤول قسم الشرق الأوسط، وجيمس هارديستي كريشتفيلد المختص بشؤون النظام العراقي، ورتبت بدقة كقائمة مستهدفة، ومن خلالها قُتل ما بين 3000 و5000 من الشيوعيين العراقيين والمتعاطفين مع قاسم في قتال عنيف بشوارع بغداد. وكان هاري روزيتسك، وهو ضابط وكالة المخابرات المركزية منذ فترة طويلة قد ادعى بأن "المصدر الرئيس هو وكالة المخابرات المركزية"، التي خصصت موقعا خاصة للعراق ومراقبة كل أوضاعه بشكل مثالي، وقد أبلغ عن الوقت المحدد للانقلاب وقدم قائمة بأعضاء الحكومة الجدد"، لكن هذا الشيء لم يتم التحقق منه". 

وفي الاطار نفسه وحسب رواية أحد القادة البعثيين لحنا بطاطو (لم يذكر اسمه) أن السفارة اليوغسلافية في بيروت، قد حذرت بعض القادة البعثيين قبل سقوط عبد الكريم قاسم من أن بعض البعثيين العراقيين قد اقاموا اتصالات خفية مع ممثلي الحكومة الأميركية. وبقيَّ أن أقول إن انقلاب 14 رمضان المشؤوم، ومن أول يوم له حمل معه غيمة سوداء لبدت سماء العراق، لم تنتهِ إلا بسقوط الصنم في 9 نيسان 2003.