سناء الوادي
أبدى العراق رغبة كبيرة بالانضمام لها وتقدّم بطلب للحصول على صفة شريك الحوار فيها كذلك جمهورية مصر والإمارات العربية المتحدة، لتعلن في اليومين السابقين المملكة العربية السعودية إقرار مجلس وزرائها الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، كشريك محاور في خطوة أولى لتفعيل العضوية الكاملة، ويأتي ذلك بعد الاتفاق على عودة العلاقات المنقطعة بين الجارتين السعودية وإيران، وعقد الصلح المفاجئ للمحيط الإقليمي والعالمي، تحت الرعاية الصينية الضامنة لإعادة الاستقرار في الشرق الأوسط.
بيت القصيد يكمن في أذرع التنين التي تمتد سريعاً هنا وهناك، إضافةً لشراسة الدُّب الروسي الذي كشّر عن أنيابه، معلناً رفضاً علنياً للقطبية العالمية الواحدة، التي أنهكت الدول وجعلت من أميركا إلهاً يفرض على تابعيه السمع والطاعة.
ومن الجدير بالذكر أن إيران كانت آخر الأعضاء المنضمين لمنظمة شنغهاي وكان ذلك في سمرقند الأوزبكية العام المنصرم، لتغدو مع الهند وباكستان الثقل التاسع لهذا التحالف الآسيوي، ما يزيد من الروابط بين كيانات هذه القارة، التي قد تكون مهد القطب الجديد المواجه للحلف الغربي بقيادة واشنطن، وقد يعيد ذلك التوازنات العالمية إلى المسار الصحيح، خاصة بعد ما أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية من اصطفاف واضح للشرق على قلب رجل واحد.
وبرأيي فإن هذه المنظمة ومجموعة البريكس وجهان لعملة واحدة، الأول اقتصادي بامتياز متمثلاً بالتعاون التجاري وزيادة الاستثمارات ودعم النمو للدول الراغبة بذلك، والثاني سياسياً وأمنياً متمثلاً بتحالف شنغهاي، ومن اللافت أن كلا المنظومتين تترأسهما الصين وروسيا، ناهيك عن تعاظم قوتهما بشكل متسارع في الأعوام الأخيرة، وإن إبداء الدول الشرق أوسطية لرغبتها بأن تكون جزءاً منهما إنما للفروقات الواضحة بين الجديد وما هو سائد، فالجديد يقّدم نفسه على أنه يحترم سيادة الدول وينادي بحسن الجوار ويقوي الروابط الأمنية لمحاربة الإرهاب والتطرف العرقي والديني ومكافحة الجريمة والمخدرات، وهي مفاهيم محببة لدى جميع الدول، فضلاً عن فتح الحدود لتعاون تجاري وصناعي واتساع السوق أمام عجلات الصناعة الضخمة، التي لا تتوقف وإتاحتها للمنافسة العادلة، ففي تقرير يشير لقيمة التجارة البينية بين الدول الأعضاء والبالغة قرابة ستة ونصف تريليون دولار ومن المرجح زيادتها بعد استحواذ شركة آرامكو على استثمارات ضخمة في الصين.
وإذا ما رأينا كمّ القلق الذي يؤرق إسرائيل، ومن ورائها الشيطان الأكبر من انضمام السعودية لمجموعة شنغهاي، وما سبقها من الصلح بين الجارتين هذا دليل كبير على دور هكذا تحالفات في المستقبل، كيف لا وهي تضم بين جنباتها خمسًا من الدول التسع النووية “روسيا ـ الصين ـ الهند ـ باكستان ـ إيران”، ناهيك عن أنها تشكل نصف سكان الأرض و30 % من الناتج الإجمالي العالمي، فضلاً عن وجود غالبية الموارد الطبيعية فيها، والتي تعني سلاسل إمداد آمنة ومستمرّة بين الأعضاء، وعلينا ألا نغفل الممرات المائية التي ستكون تحت لواء منظمة شنغهاي من المحيط الهادئ شرقاً إلى البحر الأسود والمحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر وقناة السويس، إذا ما انضمت مصر فعلياً لها، وذلك يعني بالضرورة ارتخاء القبضة الأميركية على هذه الدول من جهة، ومسمار جديد يدق في نعش هيمنة الدولار إذا ما تم التداول بالعملات المحلية لهذه الدول بالتجارة البينية.
أما إذا نظرنا إليها كتحالف ذي جانب عسكري فإنه وبطبيعة الحال يشكل التعاون الأمني بين أعضائها بنداً، رئيسياً يستدعي الوقوف بوجه التكتلات الدولية إذا ما استدعي ذلك، ولهذا السبب فقد وصف بعض المحللين العسكريين منظمة شنغهاي بالحلف العسكري المواجه للناتو، قد يصدق هذا الوصف فعلاً إذا ما استمرت بالتحول لهيكل عملاق يقف بوجه الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح مجرد عصا تحركه أميركا كيفما أرادت ومن خلفه حلف شمال الأطلسي.
وفي هذا السياق فالسياسة محكومة بالمصالح الاقتصادية والمنفعة المتبادلة، فليبحث كل عن شريكه في النمو والازدهار، وينأى بنفسه عن المستغِل المتعجرف الطامع، وليلتحق بركب القاطرات التي ستقود المستقبل وبدأ نجمها باللمعان.