نرمين المفتي
في الاول من نيسان 2003، في البوم الثالث عشر للغزو، تم إنقاذ المجندة الامريكية جيسيكا لينتش من مستشفى الناصرية، وهي المجندة التي حولتها الدعاية الامريكية الى بطلة.. في ما بعد سأقرأ كتاب ( لان كل حياة ثمينة – because every life is precious) لمحمد عودة الرهيفي و جيف وكفلت، صدر في أيلول 2003. ويحمل الكتاب عنوانا فرعيا وهو ( لماذا غامر رجل عراقي بكل شيء عزيز لإنقاذ المجندة جيسيكا )..
في الكتاب يصور الرهيفي (المهندس العراقي) نفسه بطلا وهو يقاوم و يراوغ نيران الجيش العراقي ليصل الى الوحدات الامريكية ليرشدهم الى المكان الذي وضع فيه الجيش العراقي الأسيرة جيسيكا التي سترفض مقابلته حين يذهب لزيارتها في منزلها في فيرجينيا. في مقدمة الكتاب يحاول وكفلت المحرر، تمجيده على انه برغم ثقافة العنف التي أسسها النظام السابق والذي “جعل واحدا من بين كل خمسة أشخاص عراقيين يعمل مخبرا أمنيا”!، استمر هو يقدس الانسانية.. الرهيفي سيُصبِح (أنموذجا) للعديد من العراقيين الذين سيتقربون من الامريكان المحتلين بشكل او بآخر ومن بينها الإرشاد الى (متمردين) حتى ان لم يكونوا كذلك للفوز ببطاقة ذهاب الى امريكا والاستقرار بها كما (فاز) الرهيفي مع زوجته وصغاره ووالديه.. ولم يسأل الرهيفي الذي غامر بحياته لأجل إنقاذ المجندة الامريكية لان (كل حياة ثمينة)، نفسه، لماذا ليست حياة العراقيين كذلك؟
وقبل الرهيفي فعلها (رافد علوان الجنابي) الذي كتبت عنه وعن الادلة والوثائق الكاذبة التي استخدمها رئيس الادارة الامريكية بوش الثاني وصقوره ذرائع للغزو، في عددها الصادر في 3 نيسان 2005، في تحقيق صحفي طويل تحت عنوان (US relied on ‘drunken liar’ to justify war- اعتمدت الولايات المتحدة على “كاذب مخمور” لتبرير الحرب) والذي كان معروفا باسمه الرمزي ( Curveball) لدى المخابرات الالمانية والتي اخذت منه (المعلومات) ومررتها الى الاستخبارات الامريكية (CIA)، واستنادا الى الغارديان، فإن ادعاءات الجنابي ان الاسلحة الجرثومية ظهرت كاذبة في سنة 2000، لكن الادارة الامريكية عادت الى استخدامها حين الاستعداد للغزو واشار اليها كولن باول (كأدلة دامغة) لاسلحة التدمير الشامل في كلمته امام مجلس الامن في شباط 2003.. وفي مقابلة مع الغارديان، قال الجنابي “ربما كنت محقا وربما كنت مخطئا. فقد منحوني هذه الفرصة وكان أمامي فرصة تلفيق شيء ما لإسقاط النظام. وأنا وأبنائي سعداء بذلك ونحن فخورون بأننا كنا سببا في منح العراق هامشا من الديمقراطية”..
لا أنوي الكتابة عن الذين تسببوا بضرر كبير للعراق والعراقيين ليتمكنوا هم وأسرهم من الحصول على لجوء سياسي في اوروبا وامريكا (لحياة افضل) ولم يلتفتوا الى حياة العراقيين داخل العراق، هؤلاء اساؤوا حتى الى المعارضة العراقية حينها، مرة اخرى من خلال فبركة وثائق كاذبة، ولم يتعامل معهم غالبية شخصياتها، واستنادا الى الغارديان، كان الجنابي قريبا لاحد مساعدي الدكتور احمد الجلبي (رحمه
الله).
انما أنوي الكتابة عن التعويضات للعراق لا بد أن تدفعها كل الدول التي شاركت في الغزو والتي تحالفت مع الادارة الامريكية والتي اعترفت مبكرا جدا، مع نهاية 2003، بأنها لم تجد اسلحة التدمير الشامل واعترفت على لسان غونداليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة حينها، والتي قالت “إن إقصاء صدام حسين عن السلطة فى العراق كان خطوة صحيحة، إلا أن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء فى أعقاب ذلك”، من حق العراق ان يطالب بالتعويض عن كل الدمار الذي تسببت به الادارة الامريكية ومن معها في العراق ومن حق العراقيين ان يطالبوا بالتعويض، وهذه مهمة الحكومة العراقية، لأن الافراد لا يقدرون عليها، ليست لتكاليفها الغالية فقط، انما هذه المهمة بحاجة الى تحشيد سياسي في الامم المتحدة، مجلس الامن خاصة، وفي المحكمة الدولية وفي منظمات دولية اخرى لاصدار قرارات بالتعويض وهي قطعا ستكون بمئات المليارات من الدولارات.
وهكذا خطوة لن تؤثر على علاقة العراق بالدول المشاركة في الغزو انما ستعيد حقوق العراق واذا كانت الجهات المختصة العراقية ترى ان الوقت لم يحن بعد لهكذا خطوة ، فعليها ان تساعد الافراد الذين تضرروا من قوات الاحتلال الذين قد يفكرون في طلب التعويض، لان كل حياة
ثمينة..