بدر الكبرى.. حدث عظيم

استراحة 2023/04/08
...

قال تعالى: (ولقد نصركم اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فاتقوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

في بداية الدعوة الإسلامية، وبعد أنْ اشتدّت تحرّشات واعتداءات مشركي قريش على النبي (ص) وأصحابه، أمر اللهُ تعالى رسوله (ص) بمقاتلة المشركين ووعده بالنصر، وقد بلغت غزواتُ النبي (ص) خلال حياته الكريمة ثمانين غزوة في سبيل الإسلام، وكان عددُ الغزوات التي خاضها الرسولُ الكريم (ص) بنفسه سبعاً وعشرين غزوة، وقد وقع القتالُ في تسعٍ منها وهي أهمِّ الغزوات.

وفي جميع الغزوات التي خاضها النبي (ص) كان الإمامُ علي (ع) معه لم يفارقه في واحدة منها إلا غزوة (تبوك) لأمر أراده الله تعالى ورسوله (ص)، وفي جميع تلك الغزوات كان لواء الرسول الكريم بيد علي (ع)، ومن أهم هذه الغزوات هي معركة بدر الكبرى، وهي أول معركة يحاربُ فيها الإمام علي (ع) وكان عمره خمساً وعشرين سنة في حينها، كما أنها أول معركة للنبي (ص) ضدّ مشركي قريش؛ (وبدر) إسم بئر ومكان يتجمع فيه الماء لرجل يُدعى بدراً ويقع بين مكة والمدينة، ويبعد عن مكة حوالي (160) كم تقريباً، وقد حدثت هذه الواقعة يوم الجمعة من شهر رمضان المبارك في اليوم السابع عشر منه للسنة الثانية للهجرة.

وجاء في سبب هذه الغزوة: أنَّ أبا سفيان كان قادماً من الشام بقافلة لقريش، تحمل أموالاً طائلة، فأدرك أنَّ المسلمين كانوا ينوون قطع الطريق عليه؛ لكونه يستخدم هذه الأموال ضدّ دعوة النبي (ص) والمسلمين، ما أدى الى تغيير اتجاهه وسلوك طريق آخر، فأرسل الى قريش ليعلمهم بالأمر، فاستبشر المشركون لقتال النبي (ص) وأصحابه فخرجت بجيش قوامه ألف رجل وسبعمئة بعير مع مئة فرس وكثير من العدّة للقتال، بينما كان عدد المسلمين ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً، ومعهم فرسان عديدون وسبعون بعيراً.

 وكان الإمام علي (ع) صاحب لواء الرسول الأكرم (ص) والمهاجرين، أما صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وبعث النبي (ص) ثلاثةً كان الإمام علي (ع) أحدهم، ليتحسّسوا له أخبار جيش قريش، فوجدوا جماعة منهم فأسروا ثلاثة واستطاع رجل الفرار منهم يُدعى (عمير)، فأخبر قريش عن جيش النبي (ص) وأصحابه، فلما عرفوا بأسر جماعتهم دبّ الذعر والخوف في قلوبهم من جيش المسلمين، وكان النبي (ص) مطمئناً رغم علمه بعدة وعدد جيش قريش من المشركين.

ولما نزلت الآية الكريمة: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لكم أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ من الملائكة مُرْدِفِينَ* وما جعله اللَّهُ إلا بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عند الله إنا لله عزيز حكيم)، قال النبي (ص) لأصحابه: هذا جبريل قد أتاكم مع ألف من الملائكة مردفين، ففرح المسلمون واشتدّ عزمهم للقتال.

ولما تقابل الجيشان للمعركة برز من جيش المشركين أقوياء رجالهم وهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين للبراز، فالتفت النبي (ص) الى بني عمومته، وأحبّ أن تكون الشوكة ببني عمّه وقومه، فقال: قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا علي بن أبي طالب، فقاموا مسرعين يهرولون بين الجيشين على أقدامهم بقلوبٍ ثابتة عامرة بالإيمان، فبرز عبيدة بن الحارث وكان عمره سبعين سنة، الى عتبة بن ربيعة، فضربه على رأسه، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها، وسقطا معاً.

وحمل علي (ع) على الوليد بن عتبة، وكان أصغر القوم سناً، فضربه علي (ع) على حبل عاتقه، فخرج السيف من إبطه، وحمل حمزة على شيبة، فتضاربا حتى انثلم سيفاهما، فاعتنق كل واحد صاحبه، وكان حمزة أطول قامة من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما ترى اللعين قد أبهر عمك، فأقبل إليهما وصاح علي (ع): طأطئ رأسك يا عم، فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة فضربه الإمام علي (ع) على عنقه فقطعها، ثم كرّ علي (ع) وحمزة على عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة بن الحارث فألقياه بين يدي ابن عمه الرسول الكريم (ص)، فاستعبر وقال: ألست شهيداً يا رسول الله؟ فقال (ص): نعم، ولم يلبث قليلاً إلا استشهد، وهو أول شهيد من المسلمين في معركة بدر، وقد نزلت الآية الكريمة: (هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) بمعنى ثلاثة من المسلمين وثلاثة من 

المشركين.

ثم برز بعدها حنظلة بن أبي سفيان الى علي (ع) فلما دنا منه ضربه علي (ع) بالسيف فسالت عيناه، وسقط ذبيحاً على رمال بدر، ثم أقبل العاص بن سعيد بن العاص يطلب البراز فبرز له علي (ع) وقتله، ثم برز عبد الله بن المنذر فصمد له علي (ع) فقتله، ثم برز حرملة بن عمر فقتله علي (ع) أيضاً، ثم برز الفاكه بن المغيرة فتقدم إليه الحمزة فقتله وكان يظنه أبا جهل؛ لأنه كان يرتدي ملابسه ولامة حربه.

ثم التحم الجيشان ودار بينهما أعنف قتال، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام، ومنها رأس أبي جهل، وقتل علي (ع) في من قتله يوم بدر خمسة وثلاثين رجلاً علاوة على من شارك في قتله أيضاً، كعتبة وشيبة وغيرهم من فرسان وقادة قريش من المشركين، وقد ذكرتهم المصادر بأسمائهم، حتى سمَّى الكفار علياً (ع) يوم بدر بـ(الموت الأحمر) لشجاعته وبطولته.

وقد شارك النبي (ص) المسلمين في القتال، وانجلت المعركة عن مقتل سبعين رجلاً من مشركي قريش، وكانوا من ساداتها وأبطالها، وأسر منهم سبعون رجلاً آخرون كان من ضمنهم أقرباء للنبي (ص)، بعد ذلك أطلق سراحهم جميعاً بفدية، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وتجلّت هذه الانتصارات ببطولات بني هاشم من المسلمين لا سيما علي (ع) الذي كان متحمِّساً لحصد أشواك الشرك.

 إنَّ بني هاشم وقريش والمسلمين والمشركين كانوا يعرفون تماماً شجاعة علي (ع) وإيمانه بالإسلام وحلمه وعلمه وعقله الذي ليس له مثيل بعد النبي (ص)؛ ولكنْ كان أكثر المشركين ينكرون ذلك؛ بسبب ما قتل من المشركين يوم بدر الكبرى.. [قال محمد بن ادريس الشافعي: دخل رجل من بني كنانة على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: هل شهدت بدراً؟

 قال: نعم، فقال معاوية: صف لي ما رأيت؟

فقال الرجل: رأيت في سرعان الناس علي بن أبي طالب، غلاماً، شاباً، ليثاً، عبقرياً، لا يثبت له أحد إلا قتله، ولا يضرب شيئاً إلا هتكه، ولم أرَ من الناس أحداً قطّ أنفق منه، يحمل حملة، ويلتفت التفاتة، كأنه ثعلب روّاغ.. الى أن قال: وكأن له عينين في قفاه، وكأن وثوبه وثوبَ الأسد].