الثقافة.. المنجز والضرورة.. التحديات والأمراض

آراء 2023/04/08
...

 د. عماد جاسم 




هل نتفق في البدء عن تعريف مرضي ومقنع عن ماهية الثقافة؟ ولنقل مثلا إنها نتاج جمعي، سلوكي وجمالي عبر حقول الفكر والأدب والفنون بهدف الارتقاء بالمجتمع.. 

 قد يخدمنا هذا التعريف في إطار بحثنا عن دور المؤسسات والأفراد للحد من هيمنة العنف والتخلف والتسلط، عبر استثمار منظومة الثقافة، مخرجا للازمات وأملا في تكافل وتضامن المجتمع وحيازة فكرة العدالة والمساواة، وتمكين المعارف لتجاوز محنة التجهيل والخرافة.

في بلادنا اليوم، ينظر للثقافة عبر (عوينات) متعددة! يكتفي البعض على تصنيفها ترفا كماليًّا أو عريًا أو الحادا، وهناك من يقع في فخ الخطاب السوداوي، معللا ذلك بقصدية التخريب لأماكن وملاذات الجمال والفكر. 

إذاً نحن ازاء محبطات عديدة تمنع الطامحين في تحقيق حلم الثقافة المجتمعية، وتضعهم دوما في رهانات خاسرة سلفا، وأجد أن مجتمعنا بمختلف تلاوينه، هو أكثر ايجابية ودافعية من الوسط الثقافي والأكاديمي أو من المؤسسات الثقافية والمشتغلين فيها، وهو ليس اتهامًا، إنما قراءة تحاول أن تكون واقعية ومتبصرة، اذا ما عرفنا أن حديث المثقفين في الغالب ينصب حول الاشخاص والصراعات وفعل المهرجانات والبرتوكولات والتجمعات النخبوية والاتهامات المتبادلة والجاهزة والتنكيل بالآخر، والتنافس لأجل الاستحواذ والاقتراب لكسب ود المتنفذين والفاعلين السياسيين على حساب المشروع الثقافي الانساني الأسمى.خراب المؤسسات والمباني التي ترعى الثقافة نتاج عن غياب الرؤية الموحدة لاستعادة ألق التمدن وجوهر الفعل المعرفي الثقافي، اذ اقتصر الاتكاء على مزاج مسؤولين ووزراء على مدى أعوام خلت، بالاضافة إلى تعليمات حكومية احترفت القصور والتجهيل واطلقت رصاصات الرحمة على آمال النهوض بالبنى الجمالية، وغياب الرؤية لا يعني اتهام الدولة فقط، حتى وإن كانت هي الأداة الاكثر فعالية، لكن المجتمعات الحيَّة والمنظمات الراعية لنبض الشارع الثقافي لابد ان تنهض من كسل الاتهام الجاهز وتمارس دور الرقيب والفعل الجماهيري، اذا ما عرفنا أن الحراك الجماهير في ساحة التحرير استطاع بمحدودية ان يهدد العقلية السياسية ويضع حدا للعديد من التغول على حساب حاجات الناس، فقد حد نسبيا من الرواتب الفلكية والمخصصات وحرك البرلمان للعب دور في اقرار قوانين ضامنة للفئات الضعيفة، والترويج لفكرة العدالة والعمل على إلغاء المحاصصة بشكل نسبي، وإعادة النظر بأملاك المسؤولين، ومشروع قانون من أين لك هذا الذي هو قيد القراءة.    الثقافي لا بدَّ أن يعبر الأطر التقليدية بالفهم والتعامل، فهو ليس افتتاح مهرجان أو تنظيم فعالية فقط، وإن كان ذلك ضرورة في بعض الأحيان، لكن المنجز الفعلي هو الارتفاع بوعي الناس عبر العمل الجمعي بين أوساطهم، اختراقهم في عقر دارهم، البحث عن أوجاعهم واحباطهم والتحرك في اليات معرفية وجمالية لتنويرهم، استثمار الشعر والموسيقى والمسرح والفنون لتكون ادوات تشاركية في تعميق الحس الذوقي وبالتالي السلوكي، وهذه المتطلبات والاحلام لا يمكن أن تنفذها وزارة متخمة بمنتسبين وموظفين يجهلون أو يتجاهلون دورهم التنويري، ولا يمكن ان نراهن فيها على تخصيصات بائسة أو قرارات محدودة التاثير، أنها إرادة المجتمع المدني برفقة المثقفين الفاعلين الذي بشر بهم غرامشي، انها ايضا حتمية نزول الأكاديمي من برج المراقبة والنقد المسلفن والخدر الوظيفي، أنها صحوة ضمير المسؤول الثقافي القابع في ازلية المنصب ومغرياته وحتمياته، أنها ارتفاع صرخة العمل الجمعي الذي نترفع فيه عن امراضنا المزمنة، حيث التنصل من العداوات الفردية والتسطيح المتعمد 

للمشكلات.

فالثقافة هي آخر ما تبقى لنا من قارب نجاة نحو واحة تأسيس مجتمع متعافي وهوية وطنية جامعة، تقينا التناحر والتجهيل