السوداني بعد العقدين

آراء 2023/04/10
...

  حمزة مصطفى


وصل محمد شياع السوداني إلى رأس السلطة بعد عقدين من التغيير.

على مدى العشرين سنة الماضية تداول 6 ممن يطلق عليهم أبناء الخارج منصب رئيس وزراء العراق.

وهذا المنصب كان ثانويا أو لا وجود له أحيانا في ظل الحكم الجمهوري (1958 ـ 2003) بعكس العهد الملكي (1921ـ 1958) حيث كان نظام الحكم ملكيا  يكون فيه الملك مصون غير مسؤول، يملك ولا يحكم، بينما رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي للبلاد ومسؤول مسؤولية مباشرة أخلاقية أمام الملك وعملية أمام البرلمان.

بعد عام 2003 تحول النظام في العراق من رئاسي كان فيه رئيس الجمهورية يملك ويحكم ويعدل ويغير «بكيفه» حيث لا حسيب ولا رقيب، الى نظام برلماني تكون السلطة فيه لجهة التشريع والرقابة للبرلمان ولجهة التنفيذ لرئيس الوزراء، بينما يكون منصب رئيس الجمهورية رمزيا إلى حد بعيد، لا سيما في ظل عدم وضوح الصلاحيات بموجب الدستور بين ركني السلطة التنفيذية. 

برغم كل الملاحظات والتي ربما تكون أحيانا قاسية على صعيد تجربتنا الديمقراطية بعد عام 2003، لكنها تحتفظ بالحدود المقبولة جدا لمبدأ التداول السلمي للسلطة.

فعلى مدى 5 دورات انتخابية يجري تغيير رئيس الوزراء كل أربع سنوات بموجب النتائج التي تسفر عنها الانتخابات والآلية التي يتم بموجبها إختيار رئيس الوزراء.

صحيح أن هناك إشكالات كثيرة رافقت ذلك، سواء لجهة تفسير الكتلة الأكبر طبقا  للدستور أو تخطيها أحيانا مثلما حصل في إحدى الحكومات أو نسيانها كليا مثلما حصل في حكومة أخرى، لكن بالنتيجة لن يستطيع أي رئيس وزراء أن يتأخر يوما واحدا عن الموعد المقرر لخروجه من القصر الحكومي، حتى لو كانت لديه رغبة في أن «ما ينطيها».

هذه الآلية هي التي سمحت لواحد من أبناء الداخل كان حين سقط النظام السابق عام 2003 مهندسا شابا بوظيفة بسيطة في إحدى دوائر الزراعة في محافظته ميسان الوصول الى رأس السلطة بعد عقدين من الزمن.

لا ننسى أن هذا الشاب المهندس آنذاك كان قد فرح بسقوط النظام الذي أذاقه اليتم، وهو في سن العاشرة حين اقدم رأس النظام السابق على تنفيذ حكم الإعدام بوالده عام 1980. 

خلال العقدين الماضيين تدرج المهندس الشاب آنذاك محمد شياع السوداني بالمناصب التنفيذية، لكي يجد القوم وبشبه إجماع إن هذا الرجل الذي تقلد عديد المناصب التشريعية والتنفيذية (قائم مقام، محافظ، وزير، نائب) بات مؤهلا لكي يحتل الموقع  التنفيذي الأول بالدولة.

بالقياس الى تجربته الميدانية في حكومات ما بعد عام 2003 فإن كل الذين سبقوه في تولي هذا المنصب لم يعملوا في الدولة تحت أي مسمى او عنوان ولو يوم واحد.

كان بعضهم قادة سياسيين هذا صحيح، وقادة معارضة بارزين، وهذا صحيح أيضا ولكنهم عرفوا دروب الدولة من خلال المنصب الأول بعكس السوداني، الذي جاء الى المنصب الأول مع بداية العقد الثالث من التغيير بعد أن عرف كل دروب الدولة.

وإذا قسمنا العمل بينه وبين من سبقه فإنه إذا من سبقه عمل على إرساء أسس التجربة الجديدة بقطع النظر عن النجاحات والإخفاقات، فإن مهمة السوداني هي فك الاشتباك بين الدولة والسلطة ووضع حدود فاصلة بينهما بحيث تكون الدولة هي الأصل، وهو ما يعمل عليه حتى الآن بطريقة لاشائبة فيها.