فتح مكة

استراحة 2023/04/11
...

شهد شهر رمضان الكريم على مرّ العصور الكثير من الأحداث التي كان لها تأثيرها في التاريخ الإنساني، ففي مثل هذا اليوم، وقعت أحداثٌ كثيرة غيّرت ملامح التاريخ الإسلامي القديم والحديث. ففتح مكة يعدُّ من الحوادث المهمة في تاريخ الإسلام، التي حدثت في 8 رمضان، من العام الثامن للهجرة. بعد ما انتهكت قريش الهدنة التي كانت بينها وبين المسلمين في صلح الحديبية، وذلك بمساعدة قريش لقبيلة كنانة الذين قاموا بمهاجمة قبيلة خزاعة، فنقضت بذلك بنود صلح الحديبية فجهّز النبي (ص) جيشاً مكوناً من 10.000 مقاتل من المهاجرين والأنصار لفتح مكة، فدخلت قوات المسلمين من الجهات الأربع لـمكة حيث إنّهم لم يجدوا أي مقاومة ودخلوا مكة من دون أي قتال.


سقوط المقاومة الجاهليَّة

عندما دخل الرسول (ص) مكّة قام بالطواف حول البيت وحطَّمَ الأصنام التي كانت حولها، وقام أيضاً بطمأنة الناس وأعطاهم العفو العام. أسلم الكثير من الناس بعد هذا الفتح وبهذا سقطت المقاومة الجاهليَّة وانهار صرح الشرك وانتهت مقاطعة قريش للمسلمين.

إنّ الله عز وجل أمر رسول الله (ص)، أنْ يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج، فلبّاه من المهاجرين والأنصار وغيرهم من القبائل ألفٌ وأربعمئة رجل فيهم مئتا فارس. فخرج رسول الله من المدينة يوم الإثنين مستهل ذي القعدة سنة 6 للهجرة يريد العمرة، وساق معه الهدي سبعين بدنة، ولم يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر - السيوف في القرب - فلما كان بذي الحليفة قلّد الهدي وأحرم هو وأصحابه منها، ليأمن الناس حربه، وليعلموا أنّه إنّما خرج زائراً، ومعظماً له. ووصل الخبر إلى مكة، وقرّرت قريش صدّ النّبيّ (ص) ومنعه من الدخول، فخرجت خيلهم يقودها خالد بن الوليد؛ لمنع الرّسول وأصحابه من دخول مكة.


موافقة قريش على الصلح

أرسلت قريش خمسة من المندوبين عنها للتفاوض مع النبيّ (ص)، فقرّروا على أنْ نخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنّا. فأجابهم رسول اللّه (ص) إلى ذلك وقال: "على أنَّ المسلمين بمكة لا يؤذَون في إظهار إسلامهم، ولا يكرهون على تركه، ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام" فقبلوا بذلك ورجعوا إلى قومهم يخبرونهم بما جرى.

ثم رجعوا إلى النبي (ص) وقالوا: يا محمد، قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الإسلام وألا يكره أحد على دينه ولم يبق إلا الكتاب. فدعا رسول اللّه (ص) بالقلم والدواة، ودعا علي بن أبي طالب عليه السلام وقال له: اكتب، فكتب علي عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم..." قال جابر: ما كنّا نعلم فتح مكة إلَّا يوم الحديبية وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم.


نقض المشركين لصلح الحديبية

لمّا صالح رسول اللَّه (ص) قريشاً عام الحديبيّة كان في أشراطهم أنّه من أحبّ أنْ يدخل في عهد رسول اللَّه (ص) دخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول اللَّه (ص) وكنانة في عقد قريش، وكان بين القبيلتين شرٌ قديم، ثم وقعت في ما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة، فأعانت قريش كنانة فأرسلوا مواليهم فوثبوا على خزاعة فقتلوا فيهم فجاءت خزاعة إلى رسول اللَّه (ص) فشكوا إليه ذلك وكان ذلك ممّا عجّل بفتح مكَّة فأحّل اللَّه لنبيّه قطع المدّة الَّتي بينه وبينهم وقد كان رسول الله (ص) قال للناس: كأنّكم بأبي سفيان قد جاء ليشدّ العقد ويزيد في المدّة.. حتّى أتى رسول اللَّه (ص) فكلَّمه فقال: يا محمّد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدّة. فقال (ص): أغدرتم يا أبا سفيان قال: لا، قال: فنحن على ما كنّا عليه...


دخول النبي (ص) مكّة المكرّمة

أمر رسول الله (ص) الزبير بن العوام أن يدخل مكّة من أعلاها، فيغرز رايته بالحجون، وأمر خالد بن الوليد أنْ يدخل من أسفل مكّة، ونهى عن القتال إلّا لمن قاتلهم، ودخل هو (ص) من أعلى مكّة، وكانت الراية مع سعد بن عبادة. وقد غلظ سعد بن عبادة على القوم، وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم، فدخل وهو يقول:

اليومُ يومُ الملحمة   **  اليوم تُسبى الحُرمة.

وهو يعني أنّ هذا اليوم سوف نترك فيه أجسادكم أشلاءً متقطّعة وتسبى حرمكم ونساؤكم. فسمعها العباس فقال للنبي (ص): أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد؟ وإنّي لا آمن أنْ يكون له في قريش صولة. فأمر النبيّ (ص) عليّاً أن يأخذ الراية ويقول:

اليوم يوم المَرحَمة ** اليوم تُحمى الحُرمة.

ودخل رسول الله (ص) مكّة على ناقته القصواء واضعاً رأسه الشريف على الرحل؛ تواضعاً لله تعالى، ثمّ قال: اللّهمّ أنّ العيش عيش الآخرة. فكان فتحاً من دون قتال، من دون أنْ يحرك غمد، أو يشهر سيف، أو تجرّد قناة، فقط (لا إله إلا الله) سلاح أمضى من أي سلاح.. وتدخل مكّة إلى أحضان الإسلام. إنّها لحظة النصر التي أسست لإيمانٍ سوف يبقى حتى قيام الساعة.


دخول النبي (ص) إلى المسجد الحرام

أقبل (ص) إلى الكعبة فاستلم الحجر الأسود، وطاف بالبيت على راحلته، وعلى الكعبة أصنام مشددة بالرصاص. وفي رواية حولها ثلاثمئة وستون صنماً، لكلّ حي من أحياء العرب صنم، فجعل كلّما يمرّ بصنمٍ منها يشير إليه بقضيب في يده، ويقول: ﴿جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، فما أشار لصنم من ناحية وجهه إلّا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلّا وقع لوجهه حتّى مرّ عليها كلّها، وكان أعظمها هُبل.