عشرينيَّة الحرب وآفاق النهوض

آراء 2023/04/11
...

 د. صادق كاظم 


عشرون عاما مرت على تعرض البلاد لهجوم القوات الامريكية، التي زحفت على طول البلاد لتقتحم قصور ومقرات ومعاقل النظام المنيعة في مناطق العاصمة بغداد، والتي كان يعد العدة لابادتها في معركة خيالية شبه فيها قوات الغزو بمغول العصر وانها ستنتحر على اسوار العاصمة، لكن ذلك لم يحدث، بل تسربت قوات النظام وذابت واختفت بسرعة قياسية اعلانا منها بسقوط النظام وزواله.


35 عاما منذ أن هيمن نظام البعث على السلطة ممتلكا ثروات نفطية هائلة لم يحرص عليها، بل أخذ ينفقها وببذخ شديد على الحروب وبناء الأجهزة القمعية بدلا من الاستقرار، حيث اتسمت سياساته بغياب الحكمة والعقلانية لإدارة الازمات والنزاعات التي استغلها النظام مبررا وغطاءً، لغزو الجارتين ايران والكويت في حربين داميتين تركت ندوبا وجروحا عميقة في الجسد والذاكرة العراقية، وخلفت وراءها خسائر اقتصادية وبشرية هائلة كان من الممكن لها لو بقيت أن تغير من وضع العراق اقتصاديا وتنمويا. 

دخل النظام في متاهات لا نهائية من الحروب وتعريض أمن البلاد الستراتيجي إلى الخطر، فهو لم يؤسس لعلاقات متوازنة وحكيمة لا تركن إلى المدافع والسلاح مع دول الجوار، ولم يتقبل وجود معارضة وطنية تعمل تحت قبة البرلمان وحرية صحافة واحزاب تعمل علنا وتؤسس لقواعد تداول سلمي للسلطة، بل أخذ يقمع ويزيح من أمامه بالرصاص والدم كل الحركات والاحزاب الوطنية، التي لم تجد لها موطئا ولو صغيرا على أرض الوطن خلال تلك العقود الدامية المظلمة.

كان قرار الغزو والحوادث والتنبؤات التي سبقته تعطي مؤشرا واضحا للنظام في وقتها بان عليه المغادرة سلما، وايجاد حل تنازلي يمنع سقوط البلاد وانزلاقها نحو الحرب، لكن عقلية النظام وطبيعته الدكتاتورية المستبدة منعت ذلك فضلا عن رمزية قياداته المتخلفة والضحلة فكريا، التي تدمن التهريج الاعلامي والتحديات الفارغة والدعوة إلى منازلات مع الخصوم على طريقة القرون الوسطى وتجاهل نصائح المجتمع الدولي، الذي أراد بكل الوسائل سد الذرائع وقطع الطريق على الحرب ومنع الغزو.

سقطت بغداد في العام 2003 للمرة الثانية والعشرين من تاريخها وانفجرت التناقضات التي جاء بها المحتل الامريكي وتدفق الارهاب التكفيري عبر عتاة المجرمين، الذين اعتنقوا أفكاره الدموية ليحولوا البلاد إلى سجادة من النار والارهاب والعنف، تلونت مساحاتها بالدماء واشلاء الضحايا من المدنيين الابرياء، حيث تقاعست الجيوش الامريكية عن القيام بواجباتها.

 ولم تسمح وبسرعة كبيرة بإعادة الملف الامني إلى الحكومات العراقية التي توالت على الظهور، بل إنها تبنت نظاما محاصصاتيا عجيبا ودخيلا على البلاد، ما زلنا نعاني منه،حين تم استيراد تجارب عالمية ناجحة وغامضة عن انظمة حكم تشاركية تتقاسم فيه المكونات السلطة وفق نظام توازن دقيق يراعي في النهاية مصالح البلدان وليس الطوائف والقوميات.

لم يتيسر لهذا النظام التحاصصي، بالرغم من ظهور مؤسسات ديمقراطية عديدة في البلاد تدعم فكرة التداول السلمي للسلطة وان تكون ايضا ضامنة للحريات والحقوق أن يكون قادرا ومستوعبا، لكل هذه المتناقضات والتحولات السريعة التي هبطت على البلاد دفعة واحدة. 

لم يكن اداء الاحزاب السياسية التي ورثت السلطة عن النظام السابق وحلت بديلا عنه مقنعا للشارع العراقي وكانت باخفاقاتها واخطائها ومحاصصاتها سببا في تدهور معيشي وامني مزمن ظل مستمرا لسنوات طويلة، اذ كانت الخلافات ومراعاة المصالح والمقايضات وتقاسم المؤسسات والوزارات أبرز طبائعها وسلوكياتها،التي اثرت سلبا في أداء الحكومة وفي علاقات البلاد الخارجية التي شوهت فرصة الامساك بحلم تاريخي من خلال تخلص البلاد من أبشع نظام دكتاتوري وحصول ابنائه على فرصة ادارته والنهوض به، خصوصا أن الموارد المالية والبشرية وحجم الثروات الطبيعية الهائل مع وجود نظام سياسي واداري كفوء، يتمكن من توظيف بالشكل المؤثر يعد كافيا لجعل العراق قوة سياسية واقتصادية مهمة ومحورية في المنطقة وهذا يحتاج إلى توفر أدوات أهمها اقامة دولة المؤسسات والقانون من خلال إقامة مؤسسات وطنية تشكل إطاراً جامعاً يتحد حولها جميع العراقيين، خصوصا أن تجربة العشرين عاما الماضية بكل احداثها ومراراتها أكدت أن العراق قادر على التعافي وتضميد جراحاته.