سناء الوادي
لطالما رافقت كلمات السّاسة الأمريكان ذرائع العدالة ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان إبان تدخلاتها في الدول وانتهاكها لسيادتها وحروبها المباشرة، أو التي تمارسها بعض الجهات بالوكالة عنها، فمن الهزلي أنّ الصفة الأخلاقية رفيعة المستوى ملاصقة دوماً لهذا السلاح المدافع عن البشرية أينما كانت، دون الوقوف على أعداد القتلى وكمية الدمار والتخريب، الذي أصاب البلد المستهدف جرّاء الوصول للهدف المنشود،
إنّ هذه الحجج لم تعد تؤتي ثمارها عند الرأي العام في الداخل الأميركي وخارجه، خاصةً بعد الحركات الناشطة المناهضة لاستمرار التدخل العسكري خارج الولايات المتحدة ووضع قانون يحدّ من ذلك.
وبما أن المجتمع الأميركي يُحكم في الحقيقة من الشركات الضخمة والتي تشكل لوبي للنفط وآخر للسلاح، وكذلك اللوبي اليهودي الذي يدير دفة السياسة، فلا بدّ أن ندرك أن المحرك الأساسي والفاعل لتلك التوترات والصراعات بين الدول هي هذه الشركات اللاهثة وراء الربح، فهي تعتبر إثارة النزاع منجماً للذهب وهدية السماء إليها، فكلّ قرار رئاسي أو من الكونغرس له ترجمة رقمية مباشرة على شكل مليارات الدولارات التي تدخل لخزينة تلك اللوبيّات.
ضمن هذا السياق وبعد مرور عشرين عاماً على غزو أميركا المشين للعراق، وبعدما تكشّفت الحقائق وثبت زيف الادعاءات التي مهّدت الطريق لتدمير ونهب بلاد الرافدين وحسب الاحصائيات الصادرة من الجانب المعتدي، فإن كلفة الحرب بلغت مئة مليار دولار لكنّ ثلثيه ذهب لخزينة شركات صناعة السلاح، ناهيك عن عائدات إعادة بناء الجيش العراقي وجيوش المنطقة المحيطة وذلك عبر إذكاء النزعات العرقية والطائفية والفتن وزرع الرعب بين الدول المتجاورة حتى تواصل عجلات صناعة أدوات القتل استمرارها، فحالة السلم تمثّل العدو الأول لها.
بعض المحللين الاقتصاديين يروون أن هذه الصناعة بمثابة طوق النجاة للاقتصاد الأمريكي من حالات الركود والبطالة، فضلاً عن الارتباط الوثيق بينهما فهناك 800 ألف وظيفة ضمن هذا القطاع ولو قرأنا الحرب الروسية الأوكرانية وبعد مرور العام عليها، لوجدنا أن المستفيد الأكبر من استنزاف الجانب الروسي وأنظمة الدفاع ومخزونات الدول الأوروبية الحليفة لأوكرانيا، وكذلك أعضاء الناتو هي أميركا رأس الأفعى الذي لدغ كييف وحولها لأرض محروقة لحسم الصراع الجيوسياسي مع الدب الروسي ولطالما تعرقل جهود المفاوضات الساعية لإنهاء النزاع، ففي البداية فرضت العقوبات على النفط والغاز الروسي، لتجني بعد ذلك أرباحاً طائلة من انتعاش أسواق الطاقة عندها، ليعقب ذلك طلبها من ألمانيا السماح بإرسال دبابات ليو بارد إلى ساحة الحرب.
وفي سياق متصل فإنه أُعلن عن عقود للبنتاغون مع كبريات شركات السلاح لإعادة إمدادها بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات من شركة ريثيون وصواريخ جافلين المضادة للدروع من شركة ريثيون ولوكهيد مارتن، وهي ذات الصواريخ التي أرسلت بالآلاف لأوكرانيا ناهيك عن تكلفة التدريبات العسكرية وغيرها.
من جهة أخرى فحسم الصراع العسكري المندلع الآن بين القوتين العظمتين هو بمثابة تجسيد لصورة السلاح المثالي الفعّال، فإمّا الأميركي أو السوفياتي، وفي خضم ذلك برزت الطائرات الإيرانيَّة المسيرة للواجهة العالمية وكذلك الصواريخ الصينية الفرط صوتية، فكانت هذه الحرب كسوق عكاظ يجمع كل من يريد إبراز عضلاته القتالية وعتاده.
قال الباحث بالشؤون العسكرية الأمريكية ويليام هارتونغ أنه يجب على دولته تقليص البصمة الحربية الهائلة في العالم والتي تملك قرابة 750 قاعدة عسكرية منتشرة في جميع الأرجاء وهناك عمليات لمكافحة الإرهاب في 85 دولة، ما يعني ذلك بالضرورة أنّ فكرة تمتع البشرية بالأمن والسلام هو أمر مستبعد وضرب من ضروب الخيال في ظلّ تمدد أذرع الأخطبوط العملاق “اللوبي العسكري”، وهيمنته على رجال صنع القرار في الدول الكبرى.