محمد صالح صدقيان
لا أريد أن أدخل في جدلية من المستفيد من التقارب السعودي الإيراني؟
كما لا أريد أن أشرح من كان المهرول لهذا التقارب؟
ولا من أجبر عليه لأسباب تخص أوضاع بلده الداخلية؟ وببساطة شديدة أن كلا البلدين ليسا المستفيدين من هذا التقارب فحسب؛ وإنما كانا بحاجة ماسة إليه بعد أكثر من أربعة عقود من التناحر والتدافع الأمني والسياسي.
وبناء علی ذلك يفترض من المفاوضين، الذين سيجلسون علی طاولة المفاوضات في قادم الأيام من كلا الجانبين النظر للإمام؛ لأن الماضي كان مؤلما لجميع الأطراف. والجميع كان مشاركًا في صياغة ذلك الماضي، الذي لم يكن مريحا لهم “ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”.
عملية الترميم والبناء حالة صعبة كثيرا؛ وأصعب بكثير من الهدم والتدمير خصوصا عندما تكون في العلاقات الخارجية؛ وأخص منها عندما تكون بين الأشقاء.
قلت في الاسبوع الماضي؛ من الخطأ الاعتقاد أن الاتفاق السعودي الإيراني يسير علی السجادة الحمراء. أنه بحاجة إلى “عناصر قوة” لتشكل حاضنة لهذا الاتفاق. وإلا فإنه سيقتصر علی فتح السفارات، وهي حالة وإن كانت مطلوبة لكنها غير كافية بأحسن الأحوال.
ما أفهمه من القيادة الإيرانيَّة أنها تريد وترغب في فتح صفحة جديدة من العلاقات تستند إلى تعزيز الثقة وتعزيز الأمن والاستقبرار في المنطقة؛ ليس بسبب ما يشاع عن “عزلة دولية” أو “ضائقة اقتصادية” لأن اذا كان ذلك صحيحا لكانت قد توصلت مع من بيده القرار في واشنطن لحل علی مقاساته؛ وهذا الحل ما زال في متناول اليد. لكن طهران رفضته لأنه ليس علی اساس رابح رابح. وإن الحديث عن “عزلة دولية” أو “ضائقة اقتصادية” لا تنسجم مع التطورات الجيوسياسية الجديدة، التي يمر بها العالم الذي يتطلع للنظام الجديد. إيران ما زالت تنظر للحلول ان تكون علی مقاساتها وترفض أن تكون الحلول غير ذلك.
وما فهمته مؤخرا عن القيادة السعوديَّة الشابة انها تريد تصفير المشكلات مع المحيط الخليجي والعربي والاقليمي، لأنها دفعت ضريبة دون مقابل يذكر؛ وهذه حكمة تحسب لهذه القيادة؛ ولذلك فهي استجابة – كما نقل مسؤول خليجي رفيع المستوی مطلع علی افكار القيادة السعوديَّة الشابة – للمبادرة الصينية، بل هي من دفعت الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الاخيرة للرياض وشجعته لطرح مبادرة المصالحة مع إيران علی خلفية حسابات بعضها اقليمي والآخر دولي يتعلق بعلاقة المملكة الخارجية.
أعتقد أن البلدين محقان في نظرتيهما للمصالحة والنظر للمستقبل بما يحقق مصالحهما؛ وهي حكمة تحسد عليها وان جاءت متأخرة.
هناك جملة من المحددات المتعلقه باجراءات نجاح اتفاق بكين؛ هذه المحددات تتعلق بالمستوی الذي ستذهب فيه الرياض وطهران في تنفيذ الاتفاق، خصوصا بعد التاكيد علی الاتفاقية الامنية الموقعة بينهما عام 2001 والاتفاقية المشتركة الشاملة الموقعة عام 1998.
وفي حقيقة الامر؛ أني أجهل مدی صدقية الجانبين في غلق أوراق الماضي والتطلع للمستقبل؛ وفيما اذا كان اتفاق اعادة العلاقات رد فعل علی تطورات معينة، أم أنه ثابت من الثوابت السياسية الذي دخل القاموس السياسي للبلدين؟
الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب قال بعد جلسة المحاكمة الاسبوع الماضي إنه لو كان رئيسا للولايات المتحدة، لما سمح بعودة العلاقات بين السعوديَّة و إيران. السؤال ماذا لو فاز رئيس جمهوري في انتخابات 2024 الأمريكية؟ ماذا سيكون مصير اتفاق بكين بين الرياض وطهران؟ وماذا لو لم يتم احياء الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الغربية؟ وفي الجانب الاخر ماذا لو سارت إيران مع “وحدة الساحات والميادين” في المواجهة مع العدو الاسرائيلي؟ وايضا ماذا لو أصرت إيران علی تعريفها للأمن القومي الاقليمي، الذي يمتد من افغانستان شرقا وحتی البحر المتوسط غربا ومضيقي باب المندب وهرمز جنوبا؟
مايتعلق الامر ب إيران من الصعوبة التصور ان طهران سوف يسيل لعابها علی كانتينر يخرج أو اخر يدخل اراضيها مقابل تخليها عن مشروعها في الاقليم الذي يريد المساهمة في رسم وتشكيل النظام الامني الاقليمي، ليكون بديلا عن النظام الامني الذي كان سائدا قبل انهيار الحرب الباردة عام 1990. كما من الصعوبة التصور ان تستطيع السعوديَّة التخلي عن أصدقائها الغربيين، وتحديدا الولايات المتحدة من اجل عيون الإيرانيين وسجادهم، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع مقابل صديق يلتزم بأمنهم ويحدد علاقاتهم الخارجية. أنا أتحدث في العمق الذي يستطيع أن يخدم البلدين، ويحدد مسارات توازن القوی في المنطقة؛ كما أرغب مناقشة قضايا تستطيع أن تحدد ملامح العلاقة المستقبلية بين البلدين، وفق الواقع والميدان. أن أي علاقة لا تستند إلی ثوابت واضحة وراسخة لا يمكن لها النجاح؛ وأن التصرف بردود أفعال وبخطوات مترددة، سواء كانت من هذا الجانب أو ذاك فأنها لن تحقق الأهداف، التي تتطلع لها دول وشعوب المنطقة؛ ولا تستطيع أن ترسم صورة وخارطة طريق تحكم المصالح الثنائية والاقليمية لكلا البلدين.