عبد الحليم الرهيمي
أوضحنا في مقال سابق (الصباح 6/4) أن النسبة المئوية للناخبين، الذي ادلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية الاخيرة للدورة السادسة التي جرت في تشرين الاول – اكتوبر عام 2021 بلغت ما بين 20 و 18 بالمئة.. اما الذين قاطعو تلك الانتخابات بلغت نسبتهم نحو 40 بالمئة، حسب رواية مفوضية الانتخابات، وبلغت ما بين 18 و 20 بالمئة حسب معظم الاستطلاعات المستقلة. وقد دللت هذه النتيجة المرة التي وصفها كثيرون بـ ( الفضيحة) إن هذا العزوف الكبير والمروع عن التصويت بالمقاطعة ينطوي على تأشير مهم بانتقاص كبير لشرعية الحكم والعملية السياسية.
وبناء على ذلك تطرح هذه النتيجة تساؤلات كثيرة تستوجب التأمل والتفكير بعمق بدلالاتها ومدى تأثيرها على استمرار النظام السياسي، بما هو عليه من ترهل واحتقان وشكوك حول وصفه بالنظام الديمقراطي.
وإذ يقر، ضمناً، حتى الفائزون لهذه الانتخابات بسلبية الدلالات التي تنطوي عليها النتيجة، تؤكد الاحزاب والجماعات والتيارات المعارضة لأداء الحكم والشريحة المتحكمة بمصير العراق، بأنها هي المسؤولة أساساً عن ايصال الأوضاع والانتخابات إلى هذه النتيجة ومقاطعة الأكثرية المعترضة، وهو الامر الذي يدعو إلى تغيير هذا المسار الخاطئ أساساً للعملية السياسية، الذي تتحمل مسؤوليته الطبقة السياسية المهيمنة والفاشلة، والتي سعت وعملت – كمثال – بكل قوة وبمختلف الوسائل لعزل وتطويق أي قوى وتيارات واحزاب شابه جديدة متطورة من المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات السياسية للدولة وفي تقرير مصير ومستقبل العراق وشعبه. ولعل المثال الأبرز على ذلك هو إصرار وعناد القوى التقليدية على تمرير قانون (سانت ليغو) السيئ الصيت، برغم المعارضة الشديدة للرأي العام ولقوى وجماعات المعارضة ولرأي المرجعية الدينية في النجف.
لقد عبرت القوى والتيارات والجماعات المعارضة لأداء السلطة ولنتيجة الانتخابات الاخيرة ولتمرير (البرلمان) لقانون سانت ليغو، عن آرائها وتصوراتها لمواجهة هذه الأزمة المركبة، بأن أحد سبل مواجهة هذا الواقع والأزمة الناجمة عنه ان تلتقي وتتحاور جميع هذه القوى من أعضاء البرلمان (المستقلين) ومن الجماعات والاحزاب والتنظيمات الجديدة، التي توصف بالصغيرة كي تتوصل إلى تشكيل تحالف أو أتحاد، واي تسمية اخرى، لتكون خارج أطر التكوينين الكبيرين: التيار الصدري وتجمع الإطار التنسيقي، ينبثق عنها ائتلاف أو تحالف جديد قوي يحقق نتائج عالية من المقاعد في الانتخابات المقبلة!
وبشكل قاطع يمكن القول إن مثل هذه الائتلاف لن تتحقق ابتداءً، واذا ما تحقق من رحم البيئة السياسية والانتخابية القائمة فلن يسفر الّا عن زيادة عدد (المستقلين) – ربما – ببضعة مقاعد اضافية ثم ينفرط عقده بعد ذلك.
إن المواجهة الحقيقية للأزمة المركبة التي يعاني منها الوضع السياسي عموماً لا يمكن المساهمة الحقيقية في حلها، سوى عبر التوجه لإصلاح الوضع الانتخابي أولاً، وذلك عبر الأخذ بعيون عديدة، وليس بعين واحدة لمعنى ودلالات مقاطعة نحو 80 ممن يحق لهم التصويت، وبالتالي العمل الجاد والواسع وبمختلف الوسائل والاساليب السلمية المشروعة، لكسب ود وتأييد القسم الاكبر من المقاطعين ثلثهم أو نصفهم على الاقل، وهذا لن يتم بالوسائل التقليدية التي سادت بتوزيع «الصوبات» والبطانيات وإكساء بعض الشوارع والأزقة بالسبيس، أو إطلاق الوعود غير الصادقة بتعيين الشباب موظفين بمؤسسات الدولة، وهذا يعني التوجه المكثف والواعي للمقاطعين وغيرهم ببرنامج سياسي اجتماعي واضح، وبمشروع عقد سياسي جديد وبتحديد اهداف وشعارات عملية صادقة تمس عقول واحاسيس المتلقين بصدق ونزاهة، وذلك بالضد من السياسات والممارسات المدمرة التي انتجت الدولة العميقة.. وأن تلك الدعوات المغايرة لتلك التي ملّوا سماعها وعدم صدقية معظم القائلين بها، وبذلك يمكن كسب ود وتأييد القسم الاكبر ممن ينوون ايضاً ربما، مقاطعة الانتخابات القادمة كي يصح الرهان على أن تبلغ نسبة المصوتين ما بين 60 و 65 بالمئة، وهذا يعني فعل وإيجابية وتأثير الاكثرية المعترضة، التي تتجاوز بكثير دور وفاعلية قوى وجماعات المعارضة المشاركة بالمشهد السياسي، وتبحث عن اطار منافس للقوى التقليدية دون جدوى.