في صحراء السماوة

آراء 2023/04/12
...

 محمد شريف أبو ميسم

أتيحت لي فرصة قبل بضع سنوات لزيارة صحراء السماوة، انها أرض جرداء للوهلة الأولى، موغلة في التصحر، إلا أنني رأيت بأم عيني كيف تتدفق المياه من باطنها بواسطة طواقم الضخ في الآبار الارتوازية، يا إلهي!.. كميات هائلة من المياه العذبة تقدمها الآبار على طبق ليس له حدود في الأرض، التي تترامى على نحو يتجاوز ثمانية ملايين دونم.

أرض يمكن أن تكون سلّة غذاء تغطي احتياجات العراق ويفيض منها للتصدير والصناعة. انها فرصة هائلة للعمل والرخاء يمكن أن تمنح البلاد مزيدا من العطاء وتوفر للعباد فرصا للعمل في جنة خضراء، فمن ذا الذي يمكن أن يمد يد العون ويستصلح تلك الأرض في محافظة قيل إنها الأكثر فقرا بين محافظات العراق؟ والأكثر صبرا ورفضا للأجنبي، حتى أن عشائرها وقفت في مطلع آذار من العام الماضي، لتعلن موقفها الرافض من الاستثمار الأجنبي في بادية السماوة واصفة اياه بالاستعمار. ومنذ زيارتي تلك، قبل نحو ثماني سنوات، وأنا أتابع العيون التي تغازل تلك الأرض، منها التي تحدق من وراء الحدود طمعا بأنوثة الأرض بدعوى الاستثمار، ومنها التي لم تلتفت لها الا مؤخرا أو قبل بضع سنين، منتظرا أن يعلن عن زفاف الخصوبة الغارقة بالتصحر.  حتى أعلن عن عرس استثمار مليون دونم من قبل العتبة الحسينية بناحية السلمان، في خطوة ستراتيجية تؤسس لوجود مشاريع صناعية ساندة في الصناعات الغذائية والأسمدة والأعلاف، بما يساهم في تنشيط مشاريع الثروة الحيوانية. وبما يحقق تنمية مستدامة تتلائم مع موارد الصحراء وسماتها الطبيعية. 

وبحسب ما يقال في دراسات الجدوى الاقتصادية فإن استثمار مليون دونم باستخدام التقنيات الحديثة يحقق مردودا ماليا، قد يصل إلى نحو 30 مليار دولار سنويا، ويوفر نحو عشرة آلاف فرصة عمل، فضلا عما سيحققه من خلال تدوير عجلة الاقتصاد وتحريك القطاعات الساندة. 

ونحن في نشوة ما يقال عن استثمار مليون دونم في ناحية السلمان، جاءنا خبر استثمار مليون دونم آخر لصالح العتبة العباسية، في تموز من العام الماضي، لزراعة المحاصيل الستراتيجية إلى جانب المشاريع الصناعية الساندة، لتكون صحراء السماوة واجهة زراعية للعراق بعد تنفيذ هذه المشاريع العملاقة.

ثم لتعلن “شركة المهندس العامة” عن استصلاح مليوني دونم، اعتمادا على حفر المئات من الآبار لزراعة مليون نخلة خلال سنة واحدة في مطلع آذار الماضي، بجوار زراعة شجرة الجوجوبا التي تتحمل ظروفا بيئية صعبة. 

حتى باتت نصف صحراء السماوة في مرمى الاستثمار الوطني، لتكون بحق سلة غذاء العراق وبوابة الأمن الغذائي الذي لا يمكن لدولة أن تكون ذات سيادة ما لم تحققه على أراضيها.