تمثالٌ مائلٌ في ذاكرتي

آراء 2023/04/13
...

 نوزاد حسن


قبل سقوط نظام صدام في التاسع من نيسان كنت في ديالى انتظر نهاية نظام سياسي مغامر بكل معنى الكلمة. 

فكرت أن أفضل حل اقوم به، هو اخذ العائلة إلى خارج بغداد. وهكذا وجدنا سيارة انحشرنا بها جميعا، وصرنا نراقب الأحداث من 

بعيد. 

شخصيا كنت احد المعذبين من فكرة العيش مع نظام واحد يلبس لونا معينا، ولا يترك لنا فرصة في اكتشاف العالم. 

وبمرور الوقت اكتشفت انني اعاني من عقدة سياسية اسمها صدام. كنت افكر من هذا الرجل الغريب الذي يخوض حربا ثم يتوقف قليلا ثم يخوض أخرى.

 ولا يشعر بأنه ارتكب خطأ، وانما كان يقول إنه سيبدأ من جديد. قال هذا الكلام بعد حرب عام

 1991. 

يبدو أن كرهي لأعوام سياسة الانغلاق البعثية جعلتني أقسّم حكام العراق إلى فئتين. 

هناك فئة ممن حكموا العراق يتمتعون بضمير حي لا ينام ابدا. يتعاملون مع السلطة وكأنها مهمة انتحارية لا يمكن الاستهانة بها. 

أهم سياسي يمثل فئة الضمير الحي كان الملك فيصل الاول، والزعيم قاسم، وعبد الرحمن عارف. هؤلاء كانوا معذبين إلى درجة كبيرة. 

ويكفي اي قارئ أن يعود لرسالة الملك فيصل للشعب العراقي، وسيعرف حجم معاناة هذا المقاتل الذي اصبح ملكا تعيسا. 

على خلاف سياسيي الضمير الذي لا ينام هناك فئة تتمتع بقسوة ضمير قوية. افضل من يمثل هذا النوع هو صدام، الذي لم يكن يتاثر بأي شيء مما يدور حوله. 

وكان علينا ان نتحمل اخطاء قراراته التي دمرت هدوء حياة العراقيين طوال سنوات حكمه المريرة. حين شاهدت سقوط تمثاله المائل في ساحة الفردوس خشيت من موجة التغيير القادمة. 

بركان يغلي لسنوات ثم فجأة يتفجر في سقوط تمثال هو رمز لرجل اعتقد أن السياسة نزهة وامتياز، وقرارات يتخذها هو في اية لحظة يشاء. من الخطأ ترك الحاكم لضميره، لأنه سيكون شخصا لا يمكن السيطرة عليه، ولا يمكن محاسبته. ويبدو ان تاريخنا السياسي المعاصر هو محاولات يبرز فيها الحاكم ذو الضمير الحي، وأحيانا يعلو فيها نجم الرجل الذي يجلس على كرسي السلطة، دون ان يكون لضميره اي تاثير عليه. ومن هنا يصبح الشعب مجرد رقم في يد الدكتاتور.