الدعاية السلبية

آراء 2023/04/15
...






 ساطع راجي

لا يرغب الإعلاميون عادة في إخبار الساسة بإن ظهورهم كثيرا وتصريحاتهم وخطبهم إنما تؤدي في الغالب إلى زيادة كراهية المواطنين لهم، فهذه النصيحة ستحرم الاعلاميين من فرصتهم في التعرف على الساسة والجلوس علنا إلى جوارهم، كما أن المؤسسات الاعلامية تفضل التركيز على برامج اللقاءات السياسية لأنها الارخص إنتاجيا، كما أنها فرصة لتحقيق أرباح سهلة (شرعية وغير شرعية)، ففي النهاية يستفيد الاعلامي ومؤسسته حتى من غضب الناس، وسيحققون متابعات وتعليقات كثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من جيوش السياسي الالكترونية، وهي تعبر عن حبها وولائها أو من الغاضبين الذين يفتحون بوابات الشتائم والسخرية من السياسي.

يعاني السياسي، كلما زادت سلطته، من أزمة الدفاع عن النفس، فهو يريد الهرب من محيط الفشل والفساد ليقدم نفسه كشخص مختلف، يهتم بالمواطنين ولديه أفكار لإسعادهم وإصلاح حالهم، وهو يحمّل بقية زملائه الذين لا يسميهم صراحة، بالاضافة إلى إعدائه مسؤولية كل شيء، وربما اتهم المواطنين أنفسهم بالمسؤولية عن الفشل والفساد ويخص بالنقد أولئك الذين لم ينتخبوا حزبه والذين يعبرون عن غضبهم، وطبعا هذه الحيلة لا تنجح ولا تؤثر رغم أن المحيطين بالسياسي يخبرونه دائما إنه «كان عظيما في إدائه» وأنه «سحق خصومه بكلامه البليغ العجيب 

النادر».

مع تصاعد الهوس بالظهور الاعلامي، صار السياسي مضطرا للبحث عن أفكار دعائية جديدة دائما، تتضمن وعودا عسلية وتهديدات عنترية، وهي كلها أكبر من إمكانياته التي يعرفها المواطن، كما أنها بعيدة عن شخصيته واهتماماته الحقيقية، لكنه يعتقد دائما بقدرته على تمرير ما يريد وإقناع المتلقين، فصار السياسي يهتم بالخبر والتصريح والحوار أكثر من اهتمامه بصناعة القرار وتنفيذه، ولا يجد حرجا بالتعهد بتنفيذ قرار ما خلال أيام، وهو يعرف والمواطن يعرف والاعلامي يعرف أنه ليس قادرا على الالتزام بوعده، ويمكن إحصاء عدد هائل من هذه الوعود.

عمليا وكما تشير نسب المشاركة في الانتخابات إلى أن الغالبية العظمى من المواطنين تشعر باليأس من الساسة وهي لا تنتظر إنجازا، وستكون التهدئة بين الساسة والمواطنين أسهل بدون التصريحات والوعود الوهمية والظهور الاعلامي المكثف، وهي كلها ممارسات تستفز غضب المواطنين وتؤدي إلى نتائج سلبية تهدد الاستقرار والأمن في البلاد، فالمواطن قد يسكت على خيبة الأمل وتعرضه للخديعة، لكن أعصابه قد تفلت بسبب استفزاز الساسة وتظاهرهم بالجدية والنقاء والعبقرية والوداعة، عبر وسائل الاعلام خاصة في شهر رمضان، حيث يحاول الساسة والاعلاميون بيع البضاعة المعروضة نفسها طوال العام لكن بإلحاح أكبر، إلحاح مستفز يؤدي إلى خسارة المتلقي

 وغضبه. 

التعامل السياسي والاعلامي باستهانة مع الظهور المكثف والخطابات اليومية والوعود الكثيرة، هي استهانة في غير محلها، ومن الافضل أن يغيب مالك السلطة عن عين المواطن الغاضب، ففي النهاية لم يصل أحد إلى السلطة في بلادنا بسبب حب الناس له.