فخر الدين الرازي

استراحة 2023/04/15
...

وقعت أحداث عديدة في يوم الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، والتي تنوعت ما بين الفتوحات الإسلامية والأحداث التاريخيَّة، وأيضا ولادة عددٍ من الشخصيات التي أثرت في الكثير من الأحداث الإسلامية.. ومنها ولادة العالم الجليل الفقيه والأصولي الكبير فخر الدين الرازي في الخامس والعشرين من شهر رمضان عام 544 هجريا، وهو صاحب «مفاتيح الغيب» لتفسير القرآن الكريم الذي يعد من أعظم التفاسير وأشهرها، وقد تجاوزت مؤلفاته أكثر من مئة كتاب.

هو فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين البكري التيمي القرشي الرازي، المعروف بفخر الدين الرازي أو ابن خطيب الري (544هـ - 606هـ) عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في: الفيزياء، الرياضيات، الطب، الفلك. ولد في الريّ. قرشي النسب، أصله من طبرستان. رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان. وأقبل الناس على كتبه يدرسونها، وكان يحسن الفارسية.

له تصانيف كثيرة ومفيدة في كل فن من أهمها: التفسير الكبير الذي سماه "مفاتيح الغيب"، وقد جمع فيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير، وله "المحصول" في علم الأصول، و"المطالب العالية" في علم الكلام، "ونهاية الإجاز في دراية الإعجاز" في البلاغة، و"الأربعون في أصول الدين"، وكتاب الهندسة. وقد اتصل الرازي بالسلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه ونال الحظوة لديه. توفي الرازي في مدينة هراة سنة 606 هـ.

كان والده الإمام ضياء الدين عمر بن الحسن فقيها اشتغل بعلم الخلاف في الفقه وأصول الفقه، وله تصانيف كثيرة في الأصول والوعظ وغيرهما. وعلى يد والده تعلم فخر الدين العلوم اللغوية والدينية، وتتلمذ العلوم العقلية على يد مجد الدولة الجيلي بمدينة مراغة (قرية مشهورة بأذربيجان).

وصار لفخر الدين الرازي تلاميذ صاروا علماء كبارا من بينهم: زين الدين الكشي، وشهاب الدين المصري. وقد كان فخر الدين الرازي شديد الدقة في أبحاثه، جيد الفطرة، حاد الذكاء، حسن العبارة، قوي النظر في صناعة الطب ومباحثها، عارفا بالأدب، ويتقن العربية والفارسية، وله شعر باللغتين العربية والفارسية. وكان طلاب العلم يقصدونه من جميع البلدان يعشقون مجلسه والاستماع إليه، وكان يعقد مجالسه العلمية حيثما حل في بلاد فارس، وخراسان، وبلاد ما وراء النهر، وكان يقرب منه في حلقات درسه تلاميذه الكبار، وبقية الطلاب والأمراء والعظماء من مستمعيه في حلقات تتلوها حلقات.

توجه فخر الدين الرازي إلى السلطان شهاب الدين الغوري صاحب غزنة، فبالغ في إكرامه، ثم توجه فخر الدين الرازي إلى خراسان، واتصل بالسلطان خوارزم شاه محمد بن تكين، ويقال إنه قد أرسله رسولا إلى الهند في بعض أموره.

ومن بعد خراسان توجه فخر الدين الرازي إلى هراة (بـأفغانستان)، وقد عزم على الإقامة مع أهله وولديه بها، واستقر فخر الدين الرازي في أواخر حياته بمدينة هراة، وصارت له بها دار فخمة أعطاها له السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش الذي كان حريصا دائما على حضور مجالسه العلمية. وقد كان يعقد مجالسه العلمية بمسجد هراة. وقد توفي بهراة، ودفن بظاهر هراة عند جبل قريب منها عام 606هـ /1209 م. وفخر الدين الرازي بمجمل مؤلفاته هو أول مَن ابتكر الترتيب وفق قواعد المنطق في كتبه، من حيث ترتيب المقدمات واستنباط النتائج مراعيا التقسيم إلى أبواب، وتقسيم الأبواب إلى فصول، وتقسيم الفصول إلى مسائل فلا تشذ منه مسألة، حتى انضبطت له القواعد، وانحصرت معه المسائل. وفخر الدين الرازي هو أول مَن قال من العرب: إن علم المنطق علم قائم بذاته وليس جزءا من غيره.

وقد اكتشف فخر الدين الرازي الفرق بين قوة الصدمة والقوة الثابتة، فالأولى زمنها قصير، والثانية زمنها طويل. كما اكتشف أن الأجسام كلما كانت أعظم كانت قوتها أقوى، وزمان فعلها أقصر، وأن الأجسام كلما كانت أعظم كان ميلها إلى أحيازها الطبيعية أقوى وكان قبولها للميل القسري أضعف.

وقد ذكر فخر الدين الرازي أن الحركة حركتان: حركة طبيعية سببها موجود في الجسم المتحرك، وحركة قسرية سببها خارج عن الجسم المتحرك. كما عزا فخر التغير الطارئ على سرعة الجسم إلى المعوقات التي يتعرض لها، ولولاها لاحتفظ الجسم بسرعة ثابتة إذ أن تغير السرعة مرهون بتغير هذه المعوقات، داخلية كانت أو خارجية. وكلما كانت المعوقات أقوى كانت السرعة أضعف. وذكر فخر الدين الرازي أن الجسمين إذا اختلفا في قبول الحركة الطبيعية، لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة بين الجسمين، فالقوة في الجسم المتحرك الأكبر، أكثر مما في الجسم المتحرك الأصغر. وأن الجسمين المتحركين حركة قسرية تختلف حركتهما لا لاختلاف المحرك بل لاختلاف المتحرك، فالمعاوق في الكبير أكثر منه في الصغير.

ومن أهم إنجازات فخر الدين الرازي أنه كان من أوائل العلماء الذين قالوا بنظرية الورود في الضوء من المبصرات إلى العين، وفي كيفية الإبصار . وقد فسر فخر الدين الرازي حدوث الصوت في كتابه المباحث الشرقية بسببين: الأول منهما قريب يحدث من صدم ف سكون فصدم فسكون. والثاني منهما بعيد ويحدث من عاملين: القرع . القلع .

كان يجعل الطب والفراسة (أو علم النفس) من العلم الطبيعي، ويؤمن بالصلة الوثيقة بينهما، وأثبت في تفسيره كروية الأرض، وثبات الشمس ودوران الأرض وأكثر آرائه في العلوم الطبيعية نقلها عن كتب ابن سينا، وهي موجودة في كتبه الفلسفية كالمباحث المشرقية والملخص، كما تظهر آثارها ومظاهر الطبيعة والطب في تفسيره الكبير في تحليل ما يتعلق بالأرض والسماء والإنسان، والمعادن والنبات والحيوان والآثار وبيان منافعها.