حسب الله يحيى
في كتابه المثير للجدل {فن أن تكون دائماً على صواب} والصادر عام 1884، وبترجمة عربية من د. رضوان العصبة، يقول: آرثور شوبنهاور: (إن الجدل المرائي ـ وهو العنوان الثاني للكتاب ـ هو فن للمماحكة سبيله أن يجعلنا دائماً على صواب) ويضيف: (يجب أن لا نعير الحقيقة الموضوعية اهتماماً.. وأن نعتقد ننا دائماً على حق، بينما نحن مخطئون) كذلك ـ يضيف ـ :
(علينا استعمال مقدمات كاذبة، عندما لا يقبل الخصم المقدمات الصادقة) وإنه: (عندما سنهزم يجب أن نحيد عن الموضوع، بمعنى أن نبدأ بالحديث عن شيء مختلف، كما لو كان جزءاً من الموضوع).
وعلى وفق هذه المفاهيم، نتبيّن حقيقة أن الكثيرين ممن يتولون السلطة ـ أية سلطة كانت في العراق أو سواه ـ وسواء كانت سلطة عليا، أو سلطة أدنى، فالكل هنا يتمتع بالهيمنة على من هو أقل مرتبة إدارية منه.
ما من مسؤول يعترف بالنقد والنقد الذاتي - والذي يفصل الحديث عنه: سلامة موسى، وروبسكايا – المسؤول الذي يتولى اصدار الأوامر على من هم بمعيته يجدهم قميئين أمام هيمنته، وبالتالي يكون هو الأسمى والأصح، وصاحب الحق، وأن الباطل لا يأتيه أبداً.. ذلك أن بوسعه جعل الخطأ صواباً والصواب خطأ.. سواء امتلك الحجة والبرهان أو لم يمتلكهما.. فالحق والصواب ملك يمينه، والباطل لا ملك له، لا على يمينه ولا على يساره، ولا أعلاه ولا أسفله، ولا خلفه ولا أمامه.
إنه بريء من كل إثم ومن كل خطأ! وكل ما ينشر ويعلن ويرفض ويندد وينتقد.. ما هو إلا باطل وكاذب وحاسد وحاقد وموتور ومتآمر.. وإنه يعمل بتوجيه وإرادة أجنبية.. ولا على السلطوي الالتفات إليه، ولا إلى مطاليبه عند المطالبة بحياة آمنة سعيدة تكفل لصاحبه قوت يومه ومعالجة مرضه وتعليم أبنائه.
لا على السلطوي الإصغاء إلى حقيقة دعوة المرء إلى: ماء نقي، وضوء يبدد عتمة عالمه، ولا تأمين عمله وسكنه.. فكلها (ترهات) لا يحسن الموقوف عندها، فالدرس الأساسي، الذي يتعلمه ويعلمه السلطوي لنفسه ولحاشيته هو أن يعتمد المغالطات دائماً، وتشويه كل حقيقة، والطعن في صواب منظور وغير منظور.. فكلاهما يكيدان للسلطوي، وكلاهما لا يعتمدان على إدارة أركان السلطة، التي تتطلب الحزم وإلغاء الآخر، بوصف هذا الاخر، كونه يريد سلب من حباه الله بنعمته، وهو يريد إزالة هذه النعمة وسحبها لتكون
ملكاً له.
إن الأخطاء والسلبيات التي تواجه السلطة والمتعلقة بالفساد، والفوضى في حسم قضايا الحق والعدل، والتلاعب بقوت الناس، ونسيان العمل الأهم للبنى التحتية، وعدم الاعتراف بإنسانية الإنسان ـ سواء كان مغيباً أو مهجراً أو مهاجراً أو معاقاً أو يعيش في قاع المكان، أو يتنفس الأجواء الملونة التي تثقل عليه أمراض السرطان والضغط والسكر.. ـ فكل هذه شؤون صغيرة تعني أفراداً لا مجتمعاً، بدليل أن (صفوة) المجتمع تعيش عيشاً رغيداً وهي من نعم الله، ومن العمل المنتج الذي يجتمع فيه الحلال والحرام على قاعدة واحدة.
السلطة.. لا تستحق أن يتوجه إليها النقد، بوصفها سلطة فهذا يعفيها من نقد، ومن كل خطأ، ومن كل باطل. وما نعيشه من سلبيات وأخطاء في كل مرافق الدولة والحياة معاً منذ العام 2003 ما هو إلا - نتيجة طبيعية لأخطاء الماضي - ولا يمكن حله في عقدين من الزمن وإنما يتطلب زمناً.. هو العمر كله.
من هنا.. سنبقى على هذه الحال، ذلك أن هذه الاحوال، لا تحل إلا بالمزيد من المغالطات، والمزيد من المتطلبات، والمزيد من المسوغات.. والكثير.. الكثير من الازمنة حتى تستوي السلطة على مزيد من الهيمنة، والمزيد من بسط النفوذ من قبل السلطات وليست من قبل سلطة واحدة.. تريد أن تبسط ظل الله على الارض، بينما الأرض تئن وتتوجع من هذا الظل، الذي يظل مسلطاً على حياتنا التي لم تعد حياة، وإنما هي نوع من انواع الموت البطيء، الذي لا ينتظر صلاحاً ولا إصلاحاً في ظل سلطة تضل عن سبيلها المنشود.