ظاهرة الوحش وقمع الحريات

آراء 2023/04/16
...

  أ.د. أحمد الظفيري


منذ مدة ليست بقليلة يعمد عدد من المحامين إلى رفع دعاوى قضائية ضد شخصيات فنية أو اجتماعية، بحجة الإساءة لمكون معين أو لشخص بذاته – دون أن يكون وكيلا عنه- أو ضد عمل فني درامي أو مسرحي، وكلها تحمل في طياتها مضامين شخصية وسياسية واجتماعية ودينية، لكن يبدو أن هؤلاء المحامين قد اتخذوا من شخصية المحامي المصري الراحل (نبيه الوحش) مثالا يحتذى، إذ اشتهر هذا المحامي برفع مجموعة من الدعاوى ضد شخصيات محلية ودولية (تامر حسني، توني بلير، حسني مبارك، سعد الصغير، عبير صبري، روبي، بوسي سمير، الراقصة دينا، وزير التعليم المصري، شركة روتانا، السيسي...الخ)، ومن خلال هذا التنوع بالقضايا يبدو واضحاً أن الغرض من تلك الدعاوى اكتساب الشهرة والبحث عن الظهور الإعلامي، على اعتبار أن المحامي كلما ازداد شهرة كلما ازداد عمله وازدادت أتعابه، التي يتقاضاها، لكن تلك الدعاوى القضائية أخذت تقيد الحريات بصورة كبيرة، لاسيما في مجال الفن، فقد بدأ المنتجون والفضائيات يتجنبون إنتاج أي عمل يخص المجتمع العراقي، لأن العراق بلد الخطوط الحمراء، فالعمل الدرامي يجب ألا يسيء لأي شريحة اجتماعية أو مهنية، فلم تعد الدراما تسلط الضوء على معلم متكاسل أو موظف مرتشٍ أو طبيب مقصر أو ضابط متخاذل أو شيخ عشيرة مخادع أو غيرها من التوصيفات الذاتية والتي لا تعد أبدا معيارا عاما للقياس، إن واحدا من أهم وظائف الفن يتمثل بكشف الصراعات الداخلية في المجتمعات وتعرية السلبيات لغرض الانتباه لها من قبل الجمهور، وبذلك يتحقق مبدأ (التطهير) الذي ذكره أرسطو في حديثه عن المسرح قبل مئات السنين.

لقد فقد العراق خلال العقود الماضية كثيرا من فنانيه بسبب دكتاتورية النظام السابق، التي جعلت الرقيب مقصلة لكل عمل، وأدى تدخل الحزب والجهات الأمنية في الأعمال الفنية إلى تراجع كبير في السينما والدراما العراقية، وعلى الرغم من كوننا الآن ندعي أننا نعيش في بلد يحفظ الحريات العامة، لكنه أصبح خطراً على فنانيه، فكثير من الأعمال الدرامية جرى حظرها وكثير من الفنانين باتوا مهددين من قبل شخصيات وأحزاب وعشائر، ما اضطرهم لترك العمل أو الهجرة، حالهم كحال كثير من المبدعين الذين يحتاجون لبيئة تتمتع بالحرية وترعى مفهوم الفن بوصفه أحد أهم مرتكزات الوعي الفردي والجماعي ومقياس تطور الشعوب ورفاهيتها.

لذلك بات من المهم على القضاء العراقي وعلى نقابة المحامين أن يوقفوا تنامي (ظاهرة الوحش) بين محامين يبحثون عن الشهرة والظهور، ولو كانوا فعلا حريصين على الوطن لأقاموا دعاوى ضد السراق الذين ينعمون بحياة رغيدة وهم يحصدون الاموال من قوت الشعب.