احمد الفرطوسي
تصوير: مصطفى الجيزاني
يجيء شهر رمضان جديد، تغادرنا أيام الاعتدال الربيعي، من بين أشهر العام هو الأكثر إحداثاً للتغيير في نفوس الطلبة والتلاميذ وحركة المجتمع، لها حضورها في إنعاش المساحة الروحية بداخل الإنسان نحو الأفضل، على المستوى الجسدي والبدني لها التأثير ذاته أيضاً، بينما يغير شهر رمضان أوقات الصحو والنوم ويغير النظام الغذائي، ويضع بصمته على الإيقاع اليومي.
والساعة البيولوجية هنا هي الضابط للأنماط السلوكيّة الدوريّة والتي تسير على إيقاع منتظم بالنسبة للأيام والليالي والفصول أو بالنسبة للتبدلات الخارجيّة كالليل والنهار ومعدلات الرطوبة والحرارة والضغط الجوي والمد والجزر وسرعة واتجاه الريح، هي ما يقود سلوك الفرد تجاه هذه المتغيرات وهي بذلك تمنح إشارات مختلفة وبالتالي تتغير إيقاعاتها ومجساتها وإيعازاتها لأعضاء الجسم.
مواسم
والساعة البيولوجية موجودة عند الطيور لتحدد رحلتها وأوقات تحليقها وهجرتها وعند الحيوانات لتحديد فترة سباتها الشتوي وعند النباتات للاستدلال على أوقات تفتح الزهور، أما عند الإنسان فهي ليست ساعة كالتي نرتديها أو نضعها في جيوبنا أو نتابعها في الساحات العامة والملاعب، إنها مجسات الإيقاع الداخلي للجسم الإنساني، وأغلب الدراسات تذهب إلى أن تركيزها الكيميائي والعضوي موجود في المخ وتحديداً في النواة فوق التصالبية، فهي مجسات تستجيب لما يتلقاه الجسم من معلومات خارجيّة كالضوء والحرارة والجهد والطاقة لتحفز الجسم على الاستجابة.
وفي شهر رمضان تطول ساعات السهر ويبقى الأطفال والفتيان والشباب نياماً لساعات أطول خلال النهار، ويتقلص النظام الغذائي من ثلاث وجبات وما بينهما إلى وجبتي السحور والعشاء، ما يلقي بظلاله على الساعة البيولوجية والتي يُعرِّفها العلماء بأنها الساعة التي تحافظ على إيقاع الفعاليات الحيويّة اليوميّة أو الشهريّة أو الفصليّة، والتي تعمل لضبط أوقات النوم والصحو ودرجة الحرارة وغيرها.
وعلى ذلك فهي متوافرة في أنحاء الجسم كجزيئات نشطة متفاعلة مع الخلايا تستجيب للعوامل الخارجيّة وتوزِّع الإيعازات فيها، فهي نظام سيطرة لاإراديّة واستجابيّة للفعاليات الحيويّة، ويرتبط بجينات وبروتينات متوزِّعة في الجسم، وتذهب الكثير من الدراسات إلى أنها تتجاوز عشرين ألف خليّة عصبيّة ومركزها موجود في جزء من الدماغ يقع فوق العصب البصري تحديداً وهي المتوليّة للفعاليات الحيويّة الجسمانيّة.
ولأنَّ أوقات الصوم تشهد ساعات متباينة وطويلة من الاسترخاء والتعب والفرح والنوم والصحو، فهرمونات الساعة البيولوجية تملي على أعضاء الجسم الإيعازات المرتبطة بمعدّلات النبض والسُكّر في الدم والكثير من الأفعال غير الإراديّة مثل إنتاج الخلايا والنمو والنعاس.
خارطة النوم
وتتغير في أيام رمضان خارطة وقت النوم، فهي تنحسر في مقابل ساعات سهر طويلة مصحوبة بتناول وجبات غذائيّة ومأكولات سريعة ومشروبات والقيام بنشاطات وفعاليّات لم يكن لها حضور في باقي أشهر السنة، ويقول الأطباء إن مادة كيميائية يدعونها الميلاتونين ينتجها الجسم البشري بشكل طبيعي هي المسؤولة عن الشعور بالنعاس، وهي غالباً تنتج في ساعات الليل أو أوقات الظلمة، ويحتاج الجسم إلى فترة للتأقلم مع الإيعازات الجديدة أو التعافي والعودة إلى إيقاعات التبدّل الجديد في المنهاج اليومي.
الدكتورة سندس برهان وهي متخصصة وتدريسيّة في كلية التربية البدنيّة وعلوم الرياضة بجامعة المثنى تحدثت لـ (الصباح) قائلة : إن: محاصرة الضرر المتوقع نتيجة تبدل الساعة البيولوجية يبدأ من خلال المحافظة على نمط حياة مقارب لما اعتدنا عليه وعدم السهر لساعات كثيرة، لأن ذلك يؤثر في تركيز الإنسان، برهان أضافت "هناك عادات خاطئة لاحظتها عند الكثير من الأسر حيث تترك الحبل على الغارب للأطفال والفتيان مثل السهر لساعات طويلة وقيام الأفراد بتغيير نظام حياتهم بشكل جذري وفجائي وهو ما يسبب إرباكاً وتغييراً حاداً في الساعة البيولوجية ومدى استجابتها ودرجة تحفيزها لأعضاء الجسم"، وعن طبيعة هذه الاستجابات والتغييرات الحادّة في عمل الساعة البيولوجية.
وقت خاص
يقول عميد كلية التربيّة البدنيّة وعلوم الرياضة بجامعة المثنى حيدر بلاش لـ (الصباح): إن الساعة البيولوجية هي ميزان تراكمي لردود الأفعال عند كل شخص، ميزة وضعها الله سبحانه في عقل الإنسان، هي التوقيت الخاص بكل إنسان، هرمونات وأنزيمات موجودة بالدماغ ومتصلة بأجزاء خاصّة تتحفز للتذكير بالفعاليات المعتادة والمصاحبة مثل النوم ودرجة الحرارة والجوع، بلاش وهو مدرب المنتخب الوطني بألعاب القوى، أضاف "أنصح دوماً بممارسة الرياضة بانتظام سواء في شهر رمضان أو باقي الأيام للحفاظ على إيقاع حيوي جسماني متوازن يضمن المحافظة على الحد الأدنى من التشابه أو التطابق في الفعاليات الحيويّة لأن اختلاف وتغيير المواقيت الداخلية للإنسان قد يترك له آثاراً على فعاليات إنسانيّة مثل معدلات التعب والتركيز والإجهاد والانفعال ولهذا نلاحظ تغييرات تطرأ على الاستجابة الانفعالية لدى الأطفال والفتيان عند إيقاظهم صباحاً، والسهر وقلة النوم وعدم وجود الحركة هي أسباب رئيسة للتبدلات التي تجري على الساعة البيولوجية".
سلطان النوم
وعن ذلك تقول الدكتورة سندس برهان: إن الساعة البيولوجية للإنسان مرتبطة بفعاليات حيويّة عدة وهي المسؤولة عن أوقات النوم والصحو لهذا أنصح بالحفاظ على ساعات نوم كافية وعدم النظر إلى النوم كفعالية غير مهمة بل على العكس هو إعادة تنشيط للخلايا وله أهمية بالغة في تركيز وانفعال وإنتاج الإنسان عقليّاً وجسديّاً، وتؤكد الدكتورة برهان أن "الأسابيع التي تسبق انطلاقة أيام الصوم هي فرصة لأشياء كثيرة من بينها تعديل يوميات الأطفال وساعات النوم والاستيقاظ والنظام الغذائي والابتعاد عن الأكلات السريعة (الفاست فوود) والتنويع الغذائي المطلوب وتعديل إيقاع شرب كميات وافرة من المياه بشكل منظم ومتوزع على طوال اليوم، مؤكدة أن "من شأن هذه السلوكيات أن تعيد ضبط ساعتهم البيولوجيّة بما يتناسب ومتطلبات التركيز والمذاكرة والتفاعل الدراسي".
الدكتور حيدر بلاش من جانبه ختم بالقول: إن قلة النوم وتبدل مواعيده من شأنهما أن يشكّلا صعوبة للكثير من الأشخاص كفقدان التركيز والقلق والضغط النفسي والانفعال لكن هذه الأعراض يمكن أن تزول خلال أسبوع أو أقل بمجرد إعادة الالتزام بالتوقيتات السابقة من مواعيد نوم واستيقاظ وأكل وممارسة للرياضة، وغالباً ما يكون الأسبوع الأول من شهر شوال الذي يعقب رمضان فرصة لتعديل التوقيتات وعودة العقارب الافتراضيّة للساعة البيولوجية للدوران".