سيف ضياء
يمثل هذا الاتجاه «توسط الحكم الرشيد للمصالح المختلفة للوصول إلى توافق واسع للآراء بشأن ما يحقق مصلحة المجموع كأفضل ما يكون وبشأن السياسات والاجراءات، حيث ما يكون ذلك ممكناً»، وتربط بعض المنظمات بين مبدأ التوافق وبين الاستقرار السياسي وغياب العنف، حيث إن من أهم اهداف الحكم الرشيد هو تحقيق الاستقرار بتسوية الخلافات نحو تحقيق التوافق بالآراء بين المكونات حول مصالحها ومنافعها لخدمة الجماعات والأفراد في المجتمع واتخاذ الاجراءات وصياغة السياسات العامة الممكنة لتحقيقها، وبمعنى آخر فإن التوافق يمثل عملية تعبئة الموارد وتحديد الفرص للأدوار أمام الافراد والجماعات داخل المجتمع والنظام السياسي، وبذلك يهدف التوافق والإجماع إلى القدرة على التوسط والتحكيم بين مصالح الفواعل المكونة للمجتمع والمتضاربة في ما بينها، والهدف من ذلك هو الوصول إلى إجماع واسع حول مصلحة الجميع داخل المنظومة المجتمعية، كما أن مبدأ التوافق يقوم على فكرة جوهرية مفادها «أن الميول إلى الصراع والتناحر المتأصل في بنية المجتمع المتنوع والتعددية غير المتناسقة من حيث العرق أو الدين أو القومية أو اللغة، تقابلها من جهة أخرى ميول تعاونية أو تصالحية على مستوى زعماء المجموعات والقيادات، ويكون لها ذات التأثير والتوجيه السياسي والاجتماعي على تابعيها»، كما أن الدول التوافقية لا يتم تبني أعمالها في المؤسسات الحكومية كالبرلمان مثلاً وفقاً لمبدأ الاغلبية، بل بالتمثيل التناسبي بين الاطراف واعتماد مبدأ ان كل جماعة تملك حق النقض حيال الطرف الآخر، وهكذا فإن بلورة السلوك التعاوني بين النخب سيساعد على كبح جماح العنف والتطرف في المجتمع على الصعيد القاعدي ليؤثر باتجاه تحقيق الاستقرار السياسي داخل المجتمع والدولة التوافقية، وللتوافق أبعاد كثيرة منها سياسي واجتماعي وثقافي وكذلك الديني، حيث إن التوافق السياسي والثقافي إذا ما وجد في اي مجتمع من المجتمعات سيصبح عندها ذلك المجتمع على طريق صحيح لتعزيز الحكم الرشيد، بمعنى أن مبادئ الحكم الرشيد ستصبح مترابطة مع بعضها البعض وسيعزز بعضها بعضاً، لذلك فإن السياسة التي صنعت وفقاً للمشاركة واتسمت بالشفافية والعدالة وأسست تحت مظلة القانون، لن يكون فيها مجال للاختلاف وبذلك ستساهم مساعي الاستقرار السياسي لتلك الدولة.
ويمكن القول في الاطار نفسه إن عملية التنمية المستدامة والحكم الرشيد مترابطان، حيث إن التنمية المستدامة تحتاج إلى وسيلة لتطبيقها وتحقيق اهدافها وهذه الوسيلة تتمثل بالحكم الرشيد ومعاييره، التي يؤكد البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة على نقطة مهمة حولها، مفادها بأن جميع هذه المعايير مترابطة، ومعززة بشكل متبادل بحيث لا يمكن تفكيكها أو التمييز بينها، وعلى سبيل المثال تعنى سهولة الوصول إلى المعلومة شفافية اكثر، مشاركة أوسع، فعالية أمثل في اتخاذ القرار، وشرعية اكبر للقرارات المتخذة، والشرعية في حد ذاتها تتضمن فعالية التطبيق، التشجيع على المشاركة، ووجوب أن تكون عمليات المؤسسات المتجاوبة شفافة، وتكون وظيفتها منسجمة مع القاعدة القانونية المحققة لمتطلبات الانصاف والعدالة، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى الاستقرار وتحقيق الأمن المجتمعي المستدام.