ذكرى الاحتلال وأفول الاحزاب

آراء 2023/04/17
...

  عمر الناصر 


ما زالت الكثير من الأحزاب السياسية لم تستوعب فكرة خسارة الانتخابات، لأنها ما زالت مصرة على السير بالنهج والوتيرة نفسيهما دون الجوء لمراجعة وتقييم المسيرة السياسية، لتلافي الاخفاقات والسلبيات التي اكتنفت التحوّل الديموقراطي بعد التغيير عام 2003، بل ولم تدرك حتى هذه اللحظة بأن هنالك ضرورة مُلحة لاتخاذ نهج مغاير ومختلف لدعم وتمكين الحركة التصحيحية في تعديل مسار السياسيات الفاشلة بتجربة ادارة الحكم في البلاد خلال حقبة العشرين سنة الماضية، البعض منهم ما زال غير مؤمن بمبدأ الاعتزال التدريجي للعمل السياسي، والآخر لم يحتمل فكرة تكسير شرنقة مغادرة عقلية المعارضة والانتقال إلى أهمية الدفاع عن مفهوم مبادئ الحكم الرشيد ومشروع بناء دولة المؤسسات، لتوفير سبل الوصول لأدوات المواطنة والعدالة الاجتماعية القادرة على احداث التغيير، الذي يراهن عليه الشعب وبقية الكتل السياسية المقاطعة والعازفة والممتعضة من الذهاب لصناديق الاقتراع.

لم تبقَ زاوية في جسد العملية السياسية الا وضرب الفشل والفساد أدق جزئياته، حتى بدأت المنتظم السياسي ينشطر على نفسهه ليؤسس حركات جديدة بغية سحب البساط من تحت الآخرين، أو لاستقطاب الجمهور المؤدلج والمحتكر بحيّل سياسية واعلامية دون وجود جراءة لتغيير الافكار الانطوائية والانفتاح على الجميع دون استثناء، لجعلها لبنة حقيقية لمشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، في ظل غياب الهوية الوطنية وعدم وجود افكار مستحدثة جديدة لاعادة بناء الانسان العراقي، الذي اصبحت لديه ذاكرة سمكية مصابة بالزهايمر، الذي اصيب بحمى التدهور الاخلاقي المتأثرة بالايديولوجيات الهجينة، التي لاتتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع 

الاصيلة.

بالرغم من ان نسبة كبيرة من الطبقة السياسة القابضة على السلطة قد عايشت ديموقراطيات تجارب الدول المتحضرة، واطلعت على الطرق غير التقليدية في التواصل مع الجمهور، وكيفية كسب الشارع والنزول لتفكيرهم والانصات لاصواتهم، إلا أنهم ما زالوا عازمين على تحقيق غايات سياسية وحزبية مؤقتة، تتناقض مع طموحات الشارع وتطلعاته المشروعة في البناء والتنمية المستدامة، وما زلنا نرى بأن هنالك ضعفا واضحا في عملية جس نبض الجمهور باستطلاعات رأي احترافية تتطابق نتائجها كلياً مع الواقع السياسي، ولكي تعطينا مؤشرات واقعية عن النسب المئوية لارتفاع وانخفاض مناسيب ميزان السخط والرضا للاحزاب المشاركة بالعملية السياسية، لذلك تجد اليوم أن عددا من الاحزاب والقوى السياسية بدأت تصاب بضمور وانكماش واضح، والبعض منها اصبح قاب قوسين أو ادنى من الافول والانكفاء، بعد أن أصبح الجمهور فاقدا للثقة كلياً بجميع الوعود الانتخابية، في ظل تزايد واضح وملموس واتساع واضح بحجم الهوة والفجوة بين الاغلبية الصامتة والاحزاب السياسية، التي ما زالت متمسكة بورقة المحاصصة، والتي ترفضها هذه الطبقة والنخب المؤمنة بالمواطنة وبناء دولة المؤسسات.