سالم مشكور
في نيسان 2008 كنت أسجّل حلقة من برنامجي في قناة الحرة آنذاك «حديث النهرين» مستطلعاً رأي الناس بعد 5 سنوات على اسقاط صدام.
وجهت هذا السؤال إلى رجل مرور في الكرادة فكان جوابه «والله الوضع قبل أحسن».
استحضرت في ذهني حينها نظرية القطيع لـ»وليم هاملتون»، وكيف أن الانسان يركن عقله وينساق مع الجمع المحيط به.
سألته عن راتبه وطعامه وبيته في مرحلة الـ «قبل»، فأجابني: كنّا بالضيم، وراح يسرد لي كيف راتبه كان 3 آلاف دينار فقط وأنه باع شبابيك بيته وأبواب غرفه من أجل اطعام أولاده، وأنه كان يسمع بأشياء عجيبة حول تطور وسائل الاتصالات.
والان؟، سألته فأجاب دون تفكير: «لا الحمد لله هسه ناكل زين وراتبي 800 الف وبيتي امتلأ اجهزة كهربائية وصار عندي انترنت وموبايل».
واصلت سؤاله: في ذلك العهد هل كنت تجرأ على القول لمراسل بأن العهد الملكي أو عهد قاسم أفضل من عهد البعث؟ أجاب طبعا لا هكذا جواب يوصلني الى الإعدام.
سألته: ها انت تقول إن عهد «قبل» كان أحسن فهل سيحاسبك أحد على هذا الرأي؟، أجاب: لا أبداً.
بادرته: مرة أخرى: والآن هل إن «قبل» أحسن.
هنا أجاب: لا عمي الحمد لله هسه أحسن هواية.
الله لا يرجع ذيج الايام».
ما قاله رجل المرور هذا قبل خمسة عشر عاما كان يقوله كثيرون آنذاك، وبات قائلوه كثر الآن، بما يشبه ظاهرة تستحق التوقف عندها.
قبل ذلك من الضروري التأكيد أن رفض هذه المقولات لا يعني أن العراق بعد 2003 بات مثاليّاً، بل هو مليء بالسلبيات والقصور والتقصير من جانب الذين تولوا الحكم.
سأترك جانباً موقف أصحاب الولاء للنظام السابق من مستفيدين وطائفيين، وأتحدث عن المتحسّرين على ذلك العهد ممن ينتمون الى أوساط ضحاياه.
هؤلاء يتأثرون بعاملين الأول: الماكنة الإعلامية الظاهرية والخفية التي تبث هذه المقولات بشكل مباشر أو عبر تسليط أضواء مكثفة على عمليات الفساد والتقصير الجارية، مع الإيحاء بأن هذه المساوئ لم تكن موجودة من قبل.
أما العامل الثاني فهو سوء أداء أغلب المتصدين في النظام الجديد ومواطن الخلل فيه واتساع نطاق الفساد.
هؤلاء المرددون لمقولات مثل «علوّا على أيام قبل» ينقسمون الى فئتين: فئة عاصرت النظام السابق وعانت كثيرا في ظله، لكن ذاكرتهم القصيرة أنستهم ما كان وفعهم سوء الحاضر الى اعتباره أسوأ ممّا كان.
الفئة الثانية هم من ولدوا قبيل سقوط النظام السابق أو بعده وهؤلاء يرون سوء الحاضر ولم يروا سوء النظام السابق، فكان الاثنان ضحية ظاهرة القطيع وسلوكه، فترى ابن معدوم في عهد صدام يفضله على الوضع الحالي، وعندما تناقشه بالتفاصيل يعود إلى رشده ويغيّر رأيه، كما حدث لرجل المرور الذي ابتدأت بالحديث عنه.
مقولات تمجيد الوضع السابق يجري ترويجها، ربما تمهيدا لما يقال عن جهود إقليمية لإدخال بعض مجرمي المرحلة السابقة إلى الساحة.
لا ننسى «جريمة» أحزاب المعارضة السابقة في عدم توثيق ونشر جرائم تلك العصابة.
ربما انساهم الحكم، أو خافوا من اتهامهم بـ»العيش في الماضي».
مرة أخرى: الحاضر مليء بالسوء، لكنّ سوءه لا يقارن ببشاعة الماضي، فضلا عن أن كثيرا من سوء الحاضر هو نتاج تلك المرحلة السوداء