مكافحة الفساد في العراق

آراء 2023/04/19
...





 زهير كاظم عبود 


عملية اصلاح النظام الاقتصادي والنهوض وفق الأسس الاقتصادية السليمة والحديثة، وبما يحقق خدمة المواطن العراقي الذي شبع من الضيم والظلم والإهمال والفقر، بالرغم من الموارد العظيمة والمتعددة التي ترفد هذا الاقتصاد، تعيقها أسباب بدت ظاهرة وملموسة حتى لمن لا يعرف باسس الاقتصاد ودور القطاعات في عملية الإصلاح، من بين اهم تلك الأسباب مواجهة الهجمات الإرهابية التي استهدفت العراق وشعبه بالذات ودون غيره، والتي استنزفت من جسد العراق طيلة السنوات الماضية خسائر بشرية ومادية ومعنوية، وعرقلت عمليات الإصلاح التي ورثها من تركة النظام السابق، وفي ظل هذا السبب برزت ظاهرة الفساد في اكثر صورها بشاعة وانتشارا، لتترك آثارها عميقة وغائرة في جسد العراقيين وسمعة العراق الدولية، وكلا الظاهرتين بالرغم من نتائجهما السلبية وآثارهما التخريبية، يمكن معالجتهما في حال توفر النية الصادقة والايمان الحقيقي بان هذا الشعب يستحق أن يعيش بكرامة خصوصا بعد انتهاء حقبة الدكتاتوريات وجمهوريات الانقلابات العسكرية حياة كريمة تليق به بعد كل هذه التضحيات الكبيرة التي قدمها، وبالنظر للدراسات والأبحاث التي قدمها المختصون والمحللون حول ظاهرة الإرهاب وسبل القضاء عليه نهائيا، فإننا امام معضلة الفساد التي لا تقل خطورة وآذى من غيره من الأسباب، حيث لم يزل ينتشر متحديا الوسائل والسبل التي تدعو لمحاربته وايقافه عند حدوده. 

نسمع دوما تصريحات المسؤولين عن سير العملية السياسية العراق أنهم ضد الفساد وبصدد اعتماد ستراتيجية وطنية مستمرة في مكافحة الفساد واجتثاث جذوره، إننا بحاجة ماسة لأن نلمس على ارض الواقع جدية مكافحة الفساد وفق أسس وخطط ثابتة وبعيدة المدى من أجل ضمان بناء مجتمع تسوده العدالة ويحكمه القانون، وهذه الأسس والمعايير لن تكون بمعزل عن مشاركة المواطن صاحب المصلحة الحقيقية في هذه الستراتيجية.

 بالإضافة إلى مشاركة فاعلة من منظمات المجتمع المدني، فمثل هذه الستراتيجية لن تتمكن هيئة النزاهة المكلفة مباشرة بتحقيق وتنفيذ هذه الأستراتيجية لوحدها، ولن تتمكن أيضا الحكومة بجميع أجهزتها التنفيذية من تنفيذها ما لم تقترن عملية التنفيذ بمشاركة شعبية فعالة، من خلال التعاون والتنسيق ونشر الثقافة القانونية والوعي المجتمعي، ومن خلال دعم الظواهر الايجابية وتشخيص السلبيات منها، ومن خلال تحديد معوقات خطط تنفيذ الستراتيجية، ووسائل التنفيذ وتحديد المسؤوليات والبرامج الممكنة التي تعكس لنا ناتجا ومؤشرا إيجابيا، يدلل على الشروع بعملية تطوير مكافحة الفساد وتقليص أنشطته ومكامنه، وتغليب المبادرات التي تعكس الوجه الايجابي للنزاهة، والشروع بتوجيه ضربات قاصمة للفاسدين باعتماد الطرق القانونية وتشديد العقوبات، واللجوء إلى حجز أموالهم ومنع سفرهم، ومن ثم اصدار الاحكام المتناسبة مع فسادهم دون تاثير للدرجات الوظيفية أو الحزبية أو المناطقية، ودون مساومات هزيلة معهم على حساب مصلحة المجتمع وحرمة المال العام. 

المحاور التي يرتكز عليها الأساس القانوني لمكافحة الفساد تكمن في الوقاية من الفساد، والثقافة والتدريب على تلك الشفافية في المكافحة والتصدي للفساد، وفي تشريع القوانين التي تسهم في تنفيذ تلك الستراتيجية، وتنسيق الجهود بين كل المؤسسات والجهات المعنية بالمكافحة، وتنسيق الجهود الوطنية مع الجهود الدولية في سبيل ضمان فاعلية الإجراءات والخطوات اللازمة للتنفيذ، وضرورة المراجعة الزمنية لتحديد ما تم انجازه وما تحقق من خطوات تسعى الأستراتيجية لتنفيذها عبر آليات التنفيذ، وتحديد المعوقات لتخطيها وإيجاد السبل والوسائل القانونية البديلة لإنجاحها وإيجاد التدابير المناسبة لحماية المخبرين وفقا للوسائل القانونية المعتمدة، وبما لايخل بقانونية العملية. 

إن التركيز على تنفيذ فقرات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، يعد مسألة مهمة وتمهد التنفيذ الجاد والسريع، لكونها تبحث في إعاقة سير العدالة، والملاحقة والمقاضاة والجزاءات، والتجميد والحجز والمصادرة، وحماية الشهود والخبراء والضحايا، وحماية المبلغين والتعويض عن الضرر وغيرها من العناوين المهمة في هذا المجال، ونجد أن بحث تلك العناوين بما يتوفر من خبرة للمعنيين بمكافحة الفساد من العراقيين مهما كانت درجاتهم الوظيفية، وبما اكتسبوه من دراية وتجربة، خلال الندوات التي حضروها والمناهج التدريبية التي استفادوا منها، يمكن أن تنتج الخطوات الصحيحة على طريق تنفيذ الستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في العراق، وأيضا نتاج لتنفيذ تلك السياسة التي تتمسك هيئة النزاهة في العراق بها، من خلال التنسيق والتعاون بين المنظمة الدولية الإنمائي ومع الشبكة العربية لمكافحة الفساد ومع الأكاديمية الماليزية المختصة في هذا الجانب، إننا نشعر بالحاجة إلى عراق معافٍ خالٍ من الفاسدين، ونطمح ان تعود قيم المجتمع العراقي الإيجابية باحتقار الفاسد، وعزله والوقاية منه، حتى لا ينشر مرضه ليصيب الآخرين.