كنت أستمع الى حوار بين اثنين وهما يسخران من وجوه نساء اجتمعن في مناسبة “ اعلامية” ، الحديث انتهى الى ان كل الوجوه باتت متشابهة ولم يعد الوجه المتعدد الملامح موجودا ، حفزني حديثهما لتفحص “الاعلاميات “ فوجدت شفاها منتفخة وخدودا مكورة وحواجب مرتفعة ومقوسة وتورما شاملا لبعضها والوانا فاقعة تملأ الوجوه بتنافر عجيب ، وغيابا للجمال في اغلبها !!
ما الذي يجري ؟؟ هل تستوجب اشتراطات العمل في الاعلام اجراء عمليات تجميل ؟!! وهل يستوجب النظر في المرآة الاسراع بالذهاب لتلك المراكز ؟!! وهل تغييب الوجه الحقيقي للمرأة بات تقليدا متبعا في اغلب شرائح المجتمع .
الغريب ان الشريحة التي اختارت استبدال وجهها ونحت جسدها لا علاقة لها بالتقدم في السن فغالب الفتيات هن في اعمار صغيرة وبامكانهن ايجاد مواطن الجمال ليس في الوجه فقط ، بل في مناطق فات اغلبهن الالتفات اليها وهي العقل والسلوك والوعي المتحضر الذي كلما ازداد نموا وتقدما بالسن كلما اصبح اكثر جمالا وروعة وفهما للحياة ومتغيراتها الطبيعية التي تجعل لكل عمر جماله وتميزه الخاص.
هناك من يقول ان عدد تلك المراكز في بغداد وحدها يزيد عن 150، من بينها 29 مركزا لبنانيا و15 تركيا، والبقية عراقية بكوادر محلية تسببت بأكثر من 120 خطأ طبيا بسبب حقن الوجه بمواد غير مفحوصة أو منتهية الصلاحية وتستعمل لرخص ثمنها مما يغري الفتيات بالذهاب اليها، ومن تلك العمليات ما وصل الى المحاكم والى الفصل العشائري ، وكل هذا يجري وسط تغافل وزارة الصحة بمنح الاجازات بسهولة مما ادى الى انتشار واسع من دون رقابة حقيقية .!!
ولعب الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورا في ترويج الغش الجمالي وتسويقه على انه عصا سحرية تعود بالزمن الى الوراء خلال ايام، وتصدت كثير من الدول ومنها المانيا للامر واعتبرته وضعا يمس سمعة الأساسيات المهنية والأخلاقية لمهنة الطب والهدف منه الربح المادي فقط ، كما روج عديد من الممثلين لتشجيع الحالة وهم يؤكدون ان تغيير وجوههم واجسامهم هو نتاج متحقق من عمليات تجميل اجروها وخاصة للنساء مما شجع غيرهن الى البحث عما يجعلها مثل نجمات السينما اللواتي يستقطبن الانظار بفضل عمليات التجميل !!.
هذه العمليات التي باتت هوسا الآن ظهرت في العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي واستمرت بالنمو المطرد بفعل الترويج الاعلاني والاعلامي الذي جعلها تصل اوج ازدهارها في وقتنا الحالي واصبحت “ لوس انجلس “اليوم تحوي على أكبر عدد من جراحي التجميل وعيادات ومراكز جراحة التجميل في العالم .. ويبدو اننا اليوم نحاول ان ننافس تلك الدول في تغيير الشكل الخارجي للانسان ونتغافل فكرة تجميل الذات والعقل والسلوك والمنهج والتعليم والعمل الجاد وهو ما سيبقى ولا يذبل يوما ابدا.