تلوث الهواء يهدد الحياة في البلاد

ريبورتاج 2023/04/27
...

  فجر محمد

  تصوير: خضير العتابي

لم تعد عجلة المصانع والمعامل التي كانت تدور رحاها في السابق دون انقطاع موجودة اليوم، فأغلبها أما تعرض للغلق أو للإهمال، ومع هذا بمقدورك وأنت تستقبل إشراقة الصباح وانسحاب خيوط الفجر، أن تلاحظ بسهولة سحباً سوداء متفرقة وأحياناً روائح مختلفة من مصادر متنوعة تنتشر في أجواء العاصمة.

ومع تراجع الصناعة والمعامل التي غالباً ما تتسبب انبعاثاتها في التلوث، إلا أن العراق صنف من قبل إحدى المنظمات (اي كيو اير)، ضمن أسوأ الدول في العالم من حيث جودة الهواء بل حل في المرتبة الثانية من هذا التصنيف الذي ضم 8دول منها تشاد وباكستان والبحرين وبنغلادش وبوركينافاسو والكويت والهند.

لا يمكن أن أسلم من أدخنة المولدات المنتشرة في منطقتنا السكنية عندما أخرج صباحاً إلى الجامعة، وتبدو رؤى فاضل ممتعضة وهي تنطق بهذه الكلمات وتتابع القول:"أعتقد أنه لا بد من أن يوضع حل لهذه الانبعاثات التي بالتأكيد تلوث الجو، وتؤثر في الجميع".

تشير الإحصائيات والدراسات إلى أن المولدات الأهلية التي كثر استخدامها، منذ سقوط النظام السابق كان لها تأثير كبير في 

جودة الهواء، ولكن لا يمكن الاستغناء عنها في الوقت ذاته لأنها تكاد 

تكون البديل للشبكة الوطنية للكهرباء.

غياب التشجير

كانت تنتشر في المنطقة السكنية التي تقطنها رؤى، أعداد لا تعد ولا تحصى من الأشجار والشجيرات والحدائق الصغيرة والكبيرة، ولكنها استبدلت اليوم بعقارات ومحال وعيادات طبية. وتندب رؤى حظها لأنها ما زالت تعيش في هذا المكان، الذي أصبح لايطاق من كثرة الازدحامات والسيارات والعيادات الطبية.وهي تتمنى أن تغادره إلى مكان أكثر نقاء، لكن والدها يصر على البقاء في هذه المنطقة، خوفاً من الانتقال إلى مكان جديد لا يعرف فيه أحداً.

أشارت البحوث والدراسات إلى أن العراق من الدول التي تأثرت بقلة التشجير، والتصحر ولكن وفقاً لوزارة الزراعة وتحديداً دائرة الغابات ومكافحة التصحر، فإن إيقاف زحف الكثبان الرملية نال اهتماماً كبيراً من قبل الجهات ذات العلاقة، كما أن الدائرة بدأت تشجع على زراعة أشجار الزيتون والنخيل والفستق الحلبي، فضلاً عن تنفيذ حملات تشجير بموسمي الربيع والخريف.

وبحسب الباحث والناشط البيئي الدكتور قيس جاسم فإن العراق يحتل مرتبة متقدمة بأكثر عشر دول تلوثًا في العالم، بحسب بعض التقديرات لعام 2022 وهو في المرتبة الثانية عالمياً، فقد أظهر فحص الجسيمات الصغيرة الضارة المحمولة في الهواء والمعروفة باسم الجسيمات المعلقة (PM)، التي هي حسب توصيات منظمة الصحة العالمية يجب ألا تتجاوز  2.5 إلى 5 ‏PM ميكروغرام/ متر مكعب، في حين أنها وصلت إلى 39.6 ميكروغرام لكل متر مكعب في العراق. وهذا يعتبر رقماً خطيراً جداً. ومن جهتها ترى وكالة حماية البيئة الأميركية (USEPA) أن المستويات الأعلى من 35.5 ميكروغرام/ متر مكعب يمكن أن تتسبب بمشكلات صحية خطيرة للإنسان.

نشرت وزارة التخطيط منذ وقت منصرم، بياناً أوضحت فيه عدد المولدات الأهلية التي تقوم بتوليد التيار الكهربائي في البلاد، 

وفقاً لإحصائياتها وصل عددها إلى أكثر من 46 ألف مولدة بواقع كمية الوقود المستخدم داخل فترة الذروة التي بلغت (2,178) مليون لتر، في حين سجلت خارج تلك الفترة (1,243) مليون لتر، وبالتأكيد 

هذا يعني طرح ملوثات وأبخرة بنسب هائلة ووفقاً للمختصين فإن هذا الأمر من شأنه تلويث بيئة كاملة.

ونقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن بساتين الدورة التي كانت عامرة بالنخيل تعرضت إلى الحرق والدمار، ما يعني فقدان العاصمة بغداد لرئتها الحيوية، إذ لا يخفى دور تلك الأشجار الكبير في تنقية وتصفية الأجواء، ويوضح التقرير أن التسارع في قطع الأشجار أخذ بالتزايد بعد عام 2003، كما أن تحول جنس الأراضي من زراعي إلى سكني أثر بشكل كبير وواضح، إذ أخذت المساحات الخضراء تنحسر لصالح العقارات والمولات والمحال التجارية.


أمراض تنفسية

لا يمكن أن يمر اليوم العاصف المليء بالغبار بسلام، دون أن يخلف مرضى وأشخاصاً متضررين من جراء تلك الحبيبات الترابية الصغيرة، التي غالباً ما تعلق على سطوح المنازل وداخلها. يعاني سمير مجيد من نوبات ربو لا تنتهي، خصوصاً إذا ما كان الجو مغبراً وكم حاول أن يتشافى منها نهائياً لكن دون جدوى.

ويلفت الدكتور قيس جاسم سعود إلى أن التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، تبين أن تلوث الهواء له مخاطر بيئية، خصوصاً على صحة الإنسان، لأن الجزيئات الدقيقة المنتشرة في الأجواء بمقدورها أن تخترق أعماق الرئتين والجهاز القلبي الوعائي، مسببة أمراضاً منها السكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض الانسداد الرئوي المزمن والتهابات الجهاز التنفسي.

الأكاديمي والباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي أشار إلى أن العراق يعد من الدول المساهمة بزيادة الاحتباس الحراري، فعلى سبيل المثال طريقة تخلصه من النفايات غير صحيحة فالكثير منها يحرق، وهذا يؤدي إلى انبعاثات سامة.

مبيناً أن حربي إيران والكويت، تسببت بمخلفات حربية وأسلحة ومتفجرات تسببت بتلوث البيئة المحيطة، كما لا يخفى على أحد التلوث الذي تتسبب به المولدات المنتشرة في الشوارع والمناطق السكنية، ومن المسببات الأخرى الغاز المحترق الذي ينطلق إلى الجو عبثاً دون الاستفادة من انبعاثاته، من المفترض أن يحذو العراق حذو أوروبا واليابان وغيرها من الدول التي تعرضت في فترات زمنية عابرة، إلى الكثير من الحروب والملوثات ما تسبب بسوء جودة هوائها لسنوات طويلة، لكنها لاحقاً نهضت من ركامها وبدأت بتطوير بلدانها وإيجاد طرق وأساليب مختلفة لتنقية الأجواء.

ولكي نصل إلى مرحلة الهواء النقي يرى الباحث الدكتور ليث علي ضرورة الاهتمام بالتشجير، وتشجيع الطاقة النظيفة والابتعاد عن الوقود الأحفوري، فضلاً عن أهمية التعامل الصحيح مع انبعاثات الصناعة، فعلى سبيل المثال ما زالت معامل الطابوق في البلاد إلى يومنا هذا تستهلك النفط الأسود، وانبعاثاته تتسبب بأمراض كثيرة، في حين استخدمت تلك المعامل في السابق الطاقة الكهربائية التي لا تتسبب بأي تلوث او ضرر بيئي.

من جهته يحث المزارع وصاحب كروب زراعي تثقيفي عبد الأمير علي العزاوي على زراعة أشجار معينة، تسهم بتنقية الأجواء، خصوصاً الظليات التي تسحب الأبخرة والدخان وثنائي أوكسيد الكاربون وتطرح بدلا منه الاوكسجين.


أجهزة تنقية

لم يكن انتشار أجهزة تنقية الهواء بأحجامها المختلفة، عبثاً فقد لجأت الكثير من الأسر اليوم وخصوصاً من لديها أطفال وكبار سن مرضى إلى شرائها، وعلى الرغم من تكلفتها العالية الا أنها تلقى رواجاً، خصوصاً في الأيام المغبرة، لأن قلة التشجير والتصحر زادا من وتيرة هبوب العواصف الغبارية، 

وتوجهها نحو المدن لذلك تعمل أجهزة التنقية بآلياتها المختلفة على تنظيف الهواء من الشوائب والأتربة، بهدف توفير بيئة صالحة ومتوازنة داخل المنزل.