علي المرهج
هناك أناس فاعلون في الحياة الاجتماعية والدينية يعتقدون أنهم يحتكرون الحقيقة، لذلك نجدهم يمارسون قمع الرأي المخالف عبر توظيفهم للدين، بوصفهم الناطقين الرسميين باسمه كما يدعون.
فهم الدين ليس الدين ولا حق لأحد في تصدير فهمه على أنه «حق مطلق»، لأن الفهم هو رؤية بشرية للدين قد تُخطئ وقد تُصيب، بمعنى أن ليس لأي إنسان سلطة في أن يفرض قناعاته على الآخرين، فلا يمكن لنا في حال عدم قناعتنا بوجود معصومية، لبشر أن نفترض أن فيلسوفًا أو مفكرًا ما يمتلك الحقيقة، لأن جميع الناس قد يخطؤون، لأن كل ابن آدم خطّاء، ولا وجود لحقيقة مُطلقة في مجتمع مليء بالأحداث الجسام، ولا قدرة لشخص أو جماعة مهما كان تأثيرها أن تُحجم قدرة العقل على التفكير الحر حتى ولو كانت تمتلك كآليات القوة والسلطة والغلبة.
هناك أناس يعيشون (خارج التاريخ) ويتصورون أنهم يمتلكون الحق في إجبار الناس على القناعة في فكرة يتبنونها، ولا أدل عى ذلك من دعاة «الحكم الإلهي»، الذي تمثل في فكرنا العربي والإسلامي القديم والحديث، في إدعاء جماعة ما على أنها تمتلك «الحق الحصري» في التعبير عن «إرادة الله» أو الإرادة السماوية!، وهم الجماعة الذين يتبنون مقولة «لاحكم إلا لله»، المستنبطة من أي الذكر الحكيم، وكأنهم هم لا غيرهم يُمثلون إرادة الباري في الأرض!.
هؤلاء الجماعة لا يؤمنون بوجود حل لمشكل الصراع العقائدي إلا بمحاولة إكراه المخالف على تغيير آرائه بالقوة، لأنهم يعتقدون أنهم يُمثلون «إرادة الله».
التنوع في الاعتقاد الديني والأثني، حينما يكون هناك عقول فلسفية واعية تضمن «تحجيم الصراع»، لا خطر فيه على المجتمع، وقد يكون في هذا التنوع إضافة إثرائية للحياة المدنية في مجتمع متعدد الثقافات.
حينما كتب (جون لوك) كتابه (رسالة في التسامح) كان يُدرك حجم الصراع العقائدي بين الأطراف المسيحية المتصارعة، لذلك نجده كم يسير على «حبال سيرك» فيلسوف ينزع للمدنية ويُدافع عن العلمانية، ولكنه لا يقبل في أي حال من الأحوال «دوغمائية» العقيدة الدينية، لأنها بتحصيل الحاصل تحمل في طياتها نزعة اقصائية للفكر المختلف، لذلك نجد (جون لوك) وفلاسفة (العقد الاجتماعي)، يدعون إلى قبول الآخر (المختلف)، وفق عقد اجتماعي يجعل الناس متساوين أمام القانون بمعزل عن توصيفات المخالفين لهم بأنهم على حق أو على باطل.
حينما يشتد الصراع الأثني أو الديني نحتاج لفلاسفة على غرار (جون لوك) يفتحون أفق الحياة، بعيدًا عن تصورات «الدوغمائيين» عن «الدين الحق»، لأن جوهر الدين هو تربيتنا على جمل إملاكنا للقيم، فلا معنى لدين أو عقيدة لا تحترم الإنسان، وتدفعه باتجاه «الفضيلة الأخلاقية»، لذلك أكد كل فلاسفة التوير على أهمية «العقد الاجتماعي» وفصل السلطات، وتحديد دور (رجال الدين) في الموعظة، ليكون تخليص النفوس من مهمات رجل الين، ولا مهمة لرجل الدولة غير تطبيق القانون على جميع الناس بمعزل عن انتماءاتهم.
من الممكن لرجال دين متطرفين سنة أو شيعة أن يُكفروا أو يهددوا شخصًا أو ذاك، ولكن الدولة غير ملزمة بوجهة النظر هذه، لأن مهمة الدولة الحرص على تطبيق القانون، بما يجعل جميع أبناء الوطن الواحد متساوين في الحقوق
والواجبات.
يرتبط مفهوم «التسامح» عادة بوجود قوي يتسامح مع ضعيف، وهو مفهوم يحمل في طياته تنازلًا من قوي ليقبل بوجود ضعيف، أي أن القوي فيه يبقى قويًا وكأنه هو «المانح»، أو «السيد»، والضعيف هو «القابل» أي الذي ينتظر عطف القوي.
هذه معادلة لا توازن فيها لأنا كما يبدو تصدر من أعلى للأدنى وكأنها من قبيل «المكرمة»، التي يمنحها «السيد» للعبد الذي «لا حول له
ولا قوة»!.