في التخلّي عن الهويّة

آراء 2023/04/27
...

 نازك بدير*

 

عطفا على المقال السابق” لعنة الطوائف” المنشور في جريدة الصباح يوم الخميس الماضي(13 - 5 - 2022)، نستكمل في هذا المقال الحديث عن أضرار الطائفيّة، وكيف يتمّ محو الهويّة الشخصيّة الفردانيّة وإذابتها تحت حجّة المحافظة على الطائفة وحماية لها وحفظًا للخط الذي تمثّله، فيترتّب على شريحة كبيرة من المجتمع المنضوي تحتها والمؤدلج بأفكارها أن يعكس صورة مرسومة تبعًا، لمعايير محدّدة مسبقًا من الواجب الالتزام بها وعدم الخروج عليها، لا سيّما من حيث الشكل والمظهر. 

ولم يقف الأمر عند حدّ الملامح الخارجية والمفردات” المفاتيح” المستخدمة في اللغة اليوميّة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي إنّما اجتاح الخصوصيّة المتعلّقة بهويّة الفرد؛ ثمّة جنوح نحو تغييب التعدديّة وحريّة الاختيار، وتضيق الدائرة أكثر فأكثر لتنحصر ضمن بوتقة صغيرة تشير إلى هوية كلّ طائفة ولا تحيد عنها قيد أنملة للذكور وللإناث. ولعلّ هذه الرؤية جزء من تفكير أوسع لا يتعاطى مع الإنسان في هذه الدولة على أنّه مواطن، بل السياسات الطائفيّة تضع” عبيدها” في أكياس من الخيش تمهيدًا لزجّهم في أتون معاركها.

الخطورة في الأمر عدم إدراك ما يحصل وانسحاب هذا” التغليف الموحّد” على مختلف مناحي المجتمع وإدراج ذلك، كما بتنا نرى، في العديد من المؤسّسات والمدارس والجامعات. بخطوات بسيطة، ولكن تراكميّة يتخلّى الناس طوعًا عن حريّتهم ويستميتون في الدفاع عن النهج الطائفي كونه يغذي عصبيّتهم القبلية ويُرضي غرائزهم الجاهليّة التي ما انفكوا يحييوَن فيها ويؤلّهون طقوسها، وإن كانوا يتدثّرون بلباس غربي، لكن في الحقيقة تحرّكهم النعرة الطائفيّة، والأصل عندهم التعصّب للطائفة على حساب الوطن وتقديسهم لها والانتماء إليها، لا لهوية جامعة. 

لم ينجح اللبنانيّون في الخروج من عباءة الطائفة، وإن كانت الحرب الأهلية قد أُنهيت إلّا أنّ أمراءها لا يزالون يديرون حجارة اللعبة، ومن مصلحة” أمراء الطوائف” شلّ مختلف مفاصل المؤسسات الحكوميّة والإدارات وتفكيكها، كما يحصل اليوم، ليبقى رعاياهم عبيدًا لهم وخدمًا في صروحهم وعلى يقين أنّهم المنقذ في ظلّ غياب الدولة وعدم القيام بدورها، ولا خلاص إلا عبر أنفاقهم وبوّاباتهم ومعابرهم.


 كاتبة لبنانيّة