حيدر زوير
أقامت المستشارية الثقافية في مكتب رئيس مجلس الوزراء مؤخرا مؤتمرا عن ترسيخ الهُوية الوطنية. وما أريد أن اقدمه هنا هو من إثارات الحوارات التي جرت في هذا المؤتمر، وسأقدم فكرتي بلغة بسيطة لإيماني أن هذا الموضوع يهم فئات واسعة من العراقيين!
وعلينا سويّا أن نفكر فيه بشكلٍ جدي، هل نحن عراقيون، أم نحن شيعة وسنة ومسيح وصابئة، عرب وكرد وتركمان.. إلخ. الاجابة تحتاج إلى تفصيل مهم: عراقي تعني هُوية وانتماء، أنتجه تأريخ وجغرافية العراق. بكل ما يحمل التأريخ والجغرافية من العمليات المختلفة التي تشكل أمة ما. ومثل هذا التوضيح ينطبق على كل كلمة من الكلمات الآتيّة: الشيعة، السنة، المسيح، الصابئة، الايزيديون، العرب، الكرد، التركمان، الاشوريون، الكلدان...الخ.
الهُوية هي كامن وظاهر ثقافة شعب أو مجتمع أو جماعةٍ ما، والثقافة تتكون من عناصر؛ وهي: الزمان؛ المكان؛ النموذج؛ اللغة... تعالوا لنطبق نظرية الثقافة/ الهُوية على ماذكرناه: ولنأخذ نموذج الشيعة بوصفهم الأكثر في العراق:
الأزمنة الشيعية: 1 محرم ـــ عاشوراء ـــ 20 صفر الاربعينية ـــ 15 شعبان ـــ 21 رمضان استشهاد الامام علي ـــ 18 ذو الحجة عيد الغدير. فضلا عن المناسبات، التي يشترك الشيعة مع المسلمين الاخرين كالشهر الحرم، وشهر الصيام، وعيدي الفطر والاضحى، وزمن الحج، وليلة الجمعة، ويوم الجمعة، وكذلك مناسبات أخرى غير ما ذكرنا، ولادات ووفيات الائمة والانبياء والصحابة وأبناء الائمة وحوادث مرتطبة بحياة الائمة.
الامكنة الشيعية: كربلاء، النجف. الكاظمية، سامراء، مشهد، قم، البقيع، مرقد السيدة زينب واماكن اسلامية عامة، مكة، القدس. المدينة المنورة، وأماكن ثانوية مرتبطة بالائمة، وكذلك الحوزة العلمية، مرقد السيد محمد الصدر وباقر الصدر وباقر الحكيم، والحنانة، وجامع المحسن.. والخ
النموذج الشيعي: نموذج الذات. علي بن أبي طالب، فاطمة الزهراء. الامام الحسين، المهدي المنتظر، وباقي الائمة وعدد من ابنائهم واصحابهم، والمراجع الدينيين والقيادات المرتبطة بهم.
اللغة الشيعية: كل ما يدل على شيعية الجُمل في اللغات القومية للمسلمين الشيعة. مثلا اضافة وآله للصلاة على محمد، واضافة الصفات والثناء الكبير عند ذكر أسماء أئمة أهل البيت، وكذلك ما يتصل بما يطلق على مراجع الدين والازمنة والامكنة والنماذج الشيعية.
بالامكان أن نقدم موجزا لعناصر الثقافة/ الهُوية السنية والمسيحية... والعربية والكردية والتركمانية... كالموجز الذي قدمناه للشيعة.
هنالك كذلك وضوح في أصل كل هُوية، بمعنى أن الشيعة يعرفون أن الامام علي هو الامام الاول للشيعة، أي أن النظرية من عنده انطلقت. وهكذا يعرف السنة والآخرين.
لو جربنا ان نطبق هذه النظرية على الهُوية العراقية:
الأزمنة العراقية، الامكنة العراقية، النماذج العراقية، اللغة/ ات العراقية. بشكل واضح على مستوى الزمن، لن تجدا زمناً عراقيا خالصا عليه إجماع ولو بنسبة نصف الشعب العراقي أو أقل حتى. لا تأسيس الدولة، ولا الاعتراف بعضويتها الاممية، ولا اسقاط النظام الديكتاتوري، ولا اي زمن مرتبط بحدث أو بذات.
على مستوى الامكنة. نعم بغداد عاصمة العراق، ومدن التأريخ القديم تمثل الأمكنة الحضارية التأريخية للعراق، سومر، آشور بابل. اكد.. لكن وهكذا بما يتصل بالنماذج ما مدى فاعليتهم وتأثيرهم وعلاقة العراقيين عاطفيا معهم؟
بشكلٍ أوضح ما هي العلاقة العاطفية/ الشاعرية للعراقيين حيال الامكنة الوطنيّة، مقارنة بعلاقة المؤمنين الشيعة والسنة مع أمكنتهم الدينية وكذلك مع أزمنتهم ونماذجهم؟ وما هي علاقة العراقيين الكرد مثلا مع بغداد، مقارنة بعلاقتهم مع اربيل والسليمانية؟
على مستوى النموذج، يتضح الامر بشكل اكبر، ليس هنالك رمز وطني في حقل المجتمع والسياسة وبمقدار اقل في حقول الفكر والعلم.
مؤكدا لا يمكن أن تنافس أي هُوية دنيوية نظيرتها الدينية، مثلما لا يمكن من الناحيّة الفاعلة لاي نظرية في أي منحى من المناحي الفكرية أن تنافس المعرفة البرهانية المعرفة الدينية، لكن هذا لا يمنع من أن هنالك مقدسا وعاديا، دينيا ودنيويا. من جانب وعام وخاص، وشامل وفرع، من جانب آخر، وهذا ما نطلق عليه بثنائيّة « الثقافة» و» الثقافات الفرعيّة».
لكن السؤال العراقي حيال هذه الثنائيّة: الثقافات/ الهُويات الفرعيّة واضحة وفاعلة. في ما الثقافة. أو الثقافة العامة، أو الهُوية العراقية فلنطلق عليها « الثقافة العراقية» هل هي واضحة؛ فاعلة؟ بل اسمحوا لي أن أقولها بشكلٍ جريء: هل توجد أصلا « ثقافة عراقية»؟، إجابة مثل هذا السؤال شديدة التعقيد. فكونك عراقيا انت مزيج من هويات متعددة، تمارس احداها دورا اكثر فاعلية في حياتك من غيرها. فأنت عربي وكردي وتركماني.. الخ، اضافة إلى كونك مُسلما، وأنت عربي مسلم، اضافة إلى كونك شيعيا وسنيا ومسيحيا. وهكذا بالنسبة لأبناء القوميات والاديان والمذاهب الاخرى. والسؤال يعاد مرة أخرى. متى تكون عراقيا؟ وكونك عراقيا هنا، لا يعني انعدام الهُويات الاخرى، سواء على مستوى الجمع أو التعاكس؟
الهُوية العراقية لنا بوصفها مشتركا بيننا نحن ابناء هذه الثقافات/ الهُويات المتعددة، تطل في لحظات عابرة فحسب، كالحروب وبضعة الاحتفالات بحدثٍ أو بمشاعر حيال رمز نموذج وطني، لايتجاوز ميدان الرياضة والفن والعلم.
هل يعني هذا أن من الناحيّة البنيوية لا توجد هُوية/ ثقافة وطنية عراقية؟ وما هي أبرز الاطروحات، التي قدمت من قبل مفكرين وباحثين عراقيين في موضوع الثقافة العراقية.