بغداد: هدى العزاوي
شهد العراق بعد العام 2003 تغييراً جذرياً في هيكليَّة منظومة الحكم، فتحوّل البلد بصورة "غير تدريجيَّة" من الحكم الدكتاتوري المطلق المتمثل برأس الهرم الذي يتحكم بكلِّ شيء، إلى حكم برلماني تنفيذي رئاسي متعدد الأوجه، ورغم ما رافق السنوات العشرين الماضية من مخالفات دستورية وقانونية حكمتها ظروف البلد السياسية والأمنية، إلا أنَّ خبراء وباحثين بالشأن السياسي حذّروا بشكل خاص مما وصفوه بـ"تعدد مراكز القرار" و"تداخل الصلاحيات" في مختلف السلطات، عادّين أنَّ هذين الأمرين يقوّضان أيَّ جهد وأداء حكومي يسعى لبناء الدولة وتقديم الخدمات بصورة جادة.
الكاتب والباحث في الشأن السياسي، الدكتور قاسم بلشان التميمي، قال في حديث لـ"الصباح": إنَّ "تداخل الصلاحيات في منطقة محددة يكون أحياناً مسألة طبيعية في حال كانت أوضاع تلك المنطقة أو البلاد ماضية بصورة طبيعية وتنفيذ القانون فيها بشكل طبيعي دون مشكلات، ولكن عندما تكون هناك فوضى وعدم شفافية وفساد كبير فإنَّ تداخل الصلاحيات في هذه الحالة يكون وجهاً من أوجه الفساد وعائقاً كبيراً أمام دور الحكومة للقيام بواجباتها".
ورأى أنَّ "ما نشهده في البلاد حالياً من تداخل الصلاحيات هو انعكاس واضح وصريح للخلافات والمنافع السياسية في الوقت نفسه، بمعنى أنَّ الأحزاب والكتل السياسية لا تسمح لبعضها البعض بأن تتخذ قراراً بمفردها، حتى يكون الكل محتاجاً للكل، وبالتالي تؤمن هذه الكتل والأحزاب السياسية على مصالحها سواء كانت مادية أو سلطوية".
وأشار إلى أنَّ "تداخل الصلاحيات وصل حتى داخل المؤسسة الواحدة نفسها، باعتبار أنَّ دائرة داخل هذه المؤسسة يديرها شخص تابع لحزب سياسي معين يقابله شخص من حزب سياسي آخر يدير دائرة أخرى في نفس المؤسسة، فيحصل التداخل، وبكل الأحوال فإنَّ هذا التداخل بتقديري الشخصي لم يأتِ اعتباطاً بل هو ناتج لتفاهمات واتفاقيات ما بين الأحزاب والكتل السياسية، ما أدى إلى ضعف دور الحكومة في اتخاذ العديد من القرارات".
من جانبه، بيّن المحلل في الشأن الدولي، الدكتور حيدر سلمان، في حديث لـ"الصباح"، أنَّ "التداخل في الصلاحيات وتعدد مصادر القرار سيؤثر بشكل سلبي في أداء الحكومة، وذلك لأنَّ تعدد مصادر القرار سيجعل من عملية صنع القرار بحد ذاتها صعبة جداً".
ونوّه بأنَّ "عملية إقناع جميع الأطراف صعبة جداً وقد تشوبها الكثير من المكتسبات الشخصية عند محاولة الإقناع، وبالتالي نحن أمام مشكلة كبيرة، قد يكون فيها من الشيء الإيجابي المتعلق بأنَّ هناك بعض القرارات السيئة أو المُضرّة قد تقف مصادر القرار المتعددة أمام تمريرها وقد تكون لها مراجعة من هذه الجهات، لكن بالأغلب الأعم سيكون هناك تأخير في عملية صنع القرار".
وأوضح أنَّ "هناك أربع رئاسات (رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة القضاء) هذا من جهة، بالإضافة إلى رئاسة الكتل، وهذا بالطبع يلقي بظلاله على عملية صنع القرار في العراق، فلا توجد رئاسة في عملية صنع القرار، وبالتالي تقع الحكومة ضحية لتلك المشكلات لمواجهتها".
تحرير: محمد الأنصاري