البعض يعزوها للمريض وآخرون للطبيب أخطاء طبيَّة أم مضاعفات؟

ريبورتاج 2023/04/30
...

   علي غني

  تصوير: خضير العتابي

بحسب آخر إحصائية عالمية أنه تمَّ إجراء (234) مليون عملية جراحية في جميع أنحاء العالم كل عام، يتوفى (2) مليون شخص، فضلا عن (7) ملايين شخص يعانون من مضاعفات ما بعد العملية الجراحية، وعلى رأي الباحث صاحب الدراسة الاستاذ ذو الفقار متعب (طالب دكتوراه)، بأنه يمكن تجنب (50‎ %) من خلال فترة ما بعد الجراحة، أي بمجرد انتهاء العملية وتستمر حتى إخراج المريض من المساعدة الطبية.

قصصٌ مؤلمة

ما بعد إجراء العملية، وما أدراك ما العملية في مستشفياتنا من دون استثناء، فالقصص التي يمكن أرويها تبكي الحجر، ويموت العديد من المرضى الراقدين في المستشفيات بعد العملية بأيامٍ أو أسابيعَ أو ربما يعيشون سنواتٍ بمرارة، فهذه قصة السيدة (ي) مع أحد الأطباء الاختصاص، الذي عمت بصيرته المادة، فقد أجرت المريضة عملية فتق، لكنها تحولت إلى صراع مؤلم، فامتدت آثار العملية إلى أكثر من سنة من المعاناة المهلكة، واستخدمت في العملية وسائل طبية رديئة، لا سيما التي  تسحب الدم الزائد والاوساخ، فلكونها رديئة أدت إلى بقاء بعض الدم الزائد في بطن المريضة، اضافة إلى تشوه في بطنها، وعدم متابعة الطبيب والممرضين لحالتها الصحية ما بعد العملية، مازالت تعاني من آثار العملية، على الرغم من تحولها للعلاج عند طبيب اختصاص آخر، وللعلم والكلام للمريضة (ي): أنا أجريت العملية في مستشفى أهلي (بمبلغ اكثر من مليوني دينار). وقصص معاناة المرضى بعد العمليات في بعض حالاتها ربما تشيب الرأس، فأكتفي بالسيدة (ي)، لأننا لو اردنا سرد القصص الاخرى، فعلينا تأليف كتاب اسمه معاناة ما بعد العملية.


ضعف المتابعة

بقدر الألم الذي أحمله في داخلي لهؤلاء المرضى، الذين يبكون الصخر حين تراهم يتنقلون بين عيادات الأطباء، بحثا عن إيجاد التشخيص المناسب، والشفاء، ففكرت مع نفسي بأن أكون ضيفا على أهل الاختصاص، وبصراحة وجدت الدكتورة هدى باقر عميدة كلية التمريض في جامعة بغداد، وهي تشخّص العلّة، التي يعاني منها هؤلاء المرضى، حين عزت السبب الرئيس في الخلل بعد العمليات إلى الفريق الصحي بأكمله، بدءًا من عامل الخدمة الذي ينقل المريض، والأدوات المستعملة وبيئة المستشفى وتقنية التعقيم المهيأة لإجراء العملية، وفي الغالب تكون جاهزة وطريقة اجراء العملية وسبب العملية، أما دور الممرض هو دائما ما بعد العملية، علما أن التقنية الحديثة لا يفتح الضماد، إلا بعد 7 أيام وأن الالتهابات علميا تبدأ بعد 3 أيام.

وتابعت (البروفيسورة هدى): اما السبب الآخر ضعف المتابعة والتدقيق في التعقيم من قبل مسؤولي الوحدات في المستشفيات، وكذلك إدارة المستشفيات وحتى الأطباء، فبعضهم يرفضون لبس الكمامة أو غطاء الرأس، وما شابه، وكذلك اثناء بعض العمليات وعدم مراقبة الممرضين اثناء عملية غسل اليدين قبل لبس الملابس المعقمة، إحدى المهام الرئيسة التي يتدرب الطالب عليها في كليات التمريض والمعاهد هي آلية التعقيم والتعامل مع الأدوات المعقمة منذ المرحلة الأولى، ولغاية المرحلة الرابعة، وكذلك التأكيد عليها أثناء التدريب المنهجي في المؤسسات الصحية، واما بعد التخرج دائما يشكو الخريج من عدم توفر المستلزمات الرئيسة، لغرض تطبيق المبادئ التي تعلمها الطالب خلال الدراسة، لذا لا بد من إكمال السلسلة، التي بدأها الطالب بشكل سليم اثناء الدراسة ليتم تطبيقها بالشكل السليم.


اعتقادات خاطئة

كما بودي أن انوه (والكلام لعميدة كلية التمريض في جامعة بغداد)، بأن بعض الاعتقادات الخاطئة بأن الطبيب أو الممرض أو العقاقير، هي سبب وفاة أو تأزم أو شفاء المريض، ويعزو البعض من المختصين إلى  الاستعداد الجسمي والنفسي والاجتماعي للمريض، هو السبب الرئيس لشفاء المريض، هذه الكلمات ليست مفردات عابرة وإنما مثبتة علميا، اما باقي المتغيرات هي احتمالية وتتوقف على شدة حالة المرض عند المريض وعمره والمضاعفات الناتجة، عن المرض نفسه قبل وصول المريض إلى المستشفى، وعدم استجابة المريض لبعض العلاجات، وعدم المتابعة المستمرة من قبل المريض لحين وصوله إلى المرحلة المتأزمة، وبعدها يراجع المريض بعد أن وصل إلى مرحلة منتهية تدخل عائلة المريض بكثير من القضايا التمريضية والعلاجية مما يعيق عمل الممرض إلى جانب جهل المريض بكثير من القضايا الصحية مما يجعله فاقدا للثقة بالطبيب والممرض.

وتابعت الدكتورة (هدى باقر) عميدة كلية التمريض في جامعة بغداد: لا أجزم بعدم وجود بعض التلكؤ لبعض الحالات البسيطة من قبل أعضاء الفريق الصحي، لأسباب هي ليس من المفروض أن تؤثر في عطاء مقدم الرعاية، لكنها تثير في نفسه نوعًا من الألم، لعدم حصوله على الحقوق والاحترام الواجب من قبل المريض أو عائلته لكن في النهاية، لا بد أن يقدم الفريق الصحي واجبه لجميع المرضى وبالتساوي.


أهل الاختصاص

وحتى يطمئن قلبي، وأنا أبحث عن الأسباب التي تجعل المريض يعيش الصعوبات بعد العمليات، وموقف الممرض العراقي الذي هو بصلب العملية الطبية، فكان لنقيب تمريض العراق فراس الموسوي إلا أن يدلو بدلوه، وهو  يكشف لنا عن العديد من الأسباب من وجهة نظره، كقائد نقابي، فقال: نحن أحيانا نظلم الممرض بالقياس للخدمات التي يقدمها للمريض، وبصراحة أثبت الممرض العراقي جدارته ومهارته في الظروف التي مرت بالعراق، لا سيما في جائحة كورونا ومقارعة داعش، في حين أن الأنظمة العالمية المتطورة انهارت أمام هذه الجائحة، في العراق ولله الحمد بعد التضحيات الكبيرة، التي تتمتع بها الملاكات التمريضية والروح الوطنية استطعنا أن ننتصر، وبالتالي يجب أن نرد الدين لأصحاب البدلات البيضا، ونرتقي بمستوى الطموح مقابل الخدمات التي يقدمونها.

لكن وبصراحة فإن الممرضين يحتاجون إلى اعطاء مساحة اكبر من الصلاحيات في المستشفيات والمراكز الصحية، لاتخاذ القرارات المناسبة، أي يجب أن يعمل الممرض بعنوان أكبر في الإجراءات التمريضية هي سياقات عمل موجودة ومتبعة في كل الموسسات الصحية، وبصراحة نحن نعاني كثيرا من شكوى المرضى ما بعد العملية، والخلل ليس بالممرض بقدر عدم منحه صلاحيات أكبر لتقدير الحالات في المستشفيات، بحيث لا تحجم من دوره الحقيقي، وبالتالي اقتصر دوره على الاعمال البسيطة، لذلك أكدنا دائما على الصلاحيات، التي تجعله يتخذ القرارات المناسبة والاجراءات المعينة، سواء قيل العمليات وبعد العمليات، سيما بعد العمليات، ويجب ان تعرف (والكلام لنقيب تمريض العراق وموجه لي): أن الممرض حاضر مع المريض 24 ساعة، وهذا يفتقد عند بقية الاصناف الطبية الاخرى.


التلوث البيئي

وتابع (الموسوي): بصراحة عدم إعطاء الصلاحية والقرار يخلق تعطيلا بالعمل الفعلي للمرض، فينعكس سلبا على الحاجة الفعلية للمريض الذي يحتاج هذا القرار وبصراحة إلى جانب تقييد عمله بعدة مهام وتوزيع أكثر من مهمة عليه خارج عمله ونطاق عمله اثر ايضا على تقديم الخدمة.

ونوه بأن مناهج التمريض فيها تطبيقات علمية وعملية قبل العمليات وبعد العمليات، وهذا يعني ان الممرض متدرب، ولديه العلمية الكافية التي يتعامل بها مع الحالات الطارئة وغير الطارئة، سواء بالعمليات أو بعدها فضلا عن خبرته الاكاديمية، سواء  في المعهد أو الكلية أو في الدراسات العليا.

وأقول لك حقيقة (والكلام لنقيب تمريض العراق): المضاعفات موجودة في كل دول العالم، لذلك حتى في الدول المتطورة هناك مضاعفات تحدث بعد العمليات وفي أثناء العمليات وهذا موجود، اما في العراق تعرف انت اليوم الواقع العراقي والتلوث البيئي، ربما هو احد المسببات لتلوث العمليات الجراحية التي تحدث للمرضى، لا سيما الذين يغادرون المستشفى على مسؤوليتهم أو احيانا من دون علم الطبيب المختص، وهو لم يكتسب الشفاء التام، وبالتالي يتعرض لانتكاسة أو مضاعفات معينة، ومراجعته للطبيب سوف تتأخر، وبالتالي هذه المضاعفات موجودة في كل دول العالم.


أين الحقيقة؟

وربما عدم عثوري على طبيب يتكلم بصراحة، فإني وجدت تعليقا مناسبا للموضوع من أحد الاطباء على صفحات التواصل الاجتماعي، فقررت ضمه إلى هذا التحقيق الواسع، فهو يقول: إن معظم الأخطاء الطبيَّة، التي تحصل في العمليات إنما هي أخطاء من طبيعة البشر وليست ، ومعاقبة هذا النوع من الأخطاء دون تمييز بين الخطأ الإنساني والإهمال الطبي والمضاعفات الجانبية، لن يقلل مقدار حدوث الخطأ الطبي انما بالعكس هذا يشجع العاملين في الكادر الطبي، ألا يبلّغوا عنها فتضيع فرص إنقاذ حياة الكثير من المرضى، الذين سقطوا ضحية وتضيع فرصة إصلاح النظام الطبي لتفادي الأخطاء في المستقبل، بالتالي يجب التمييز بين المضاعفات الجانبية لأي عمل طبي وبين الخطأ الطبي والإهمال الطبي، لأن بمعاقبة الأطباء تحت أخطاء المضاعفات الجانبية، التي من الممكن أن تحدث في أي عمل جراحي هذا بدوره يؤدي إلى تهرّب الأطباء عن اجراء العمليات ذات المخاطر العالية، وحتى تجنّب التعامل معها كليا، وهذا ما نشاهده كثيرا، فكيف للطبيب أن يُبدع ويمارس عمله الإنساني الطبي، إذا كان يخشى من أن يُحاسب على مضاعف طبي لعمل جراحي.