علي العقباني
هل هناك من سبيل للقاء السينما والفلسفة؟، هل مقاربة موضوع السينما والفكر ممكنة؟ هل الوحدة بين الفكر والسينما وضع قائم؟ هل يبدو طريق الفلسفة معبداً في مقاربة السينما وعلم الجمال؟ هل السينما وهي الفن الأكثر جماهيرية وشعبية ضمن دائرة اهتمام الفيلسوف؟
هل الأفلام وسيط مناسب للتعامل فلسفيًّا مع موضوعات حياتية ويومية؟، هل السامي والجليل والنبيل متقارب في الفلسفة والسينما؟ ما السبيل إلى بلوغ لحظة التعانق والوصال بين الفلسفة والسينما؟
هذه بعض من أسئلة كثيرة يفرضها وجود الكلمتين "سينما وفلسفة" معاً قريبين، مثل هذا الموضوع الشائك الشائق المركب والاشكالي جمالياً وسينمائياً وفلسفياً وفكرياً ولا سيما من الناحية الإجرائية ضمن الطرق والأسئلة الفلسفية والتي يتبعها الفلاسفة أو المشتغلون بالفلسفة في تناول القضايا التي تقع ضمن مجالها الحيوي الفلسفي أو ضمن أفقها النظري والعملي في آن، أفق مُعبّر من جهة عن اهتمامات الفيلسوف ومن جهة أخرى عما تحفل به الحياة من مواضيع وظواهر كثيرة ومتباينة، قابلة للقراءة الفلسفية على حدّ سواء ومن دون إقصاء لأي ظاهرة أو موضوع مهما كان تفصيله، وتسليط الضوء عليها
وقرأتها.
شكلت الصورة كمفهوم مكانة مهمة داخل العديد من المجالات المعرفية، واقتحمت حقل السجالات المعرفية والفلسفية اتجاه الناس والعالم والأفكار، ومن هنا كان حضور الصورة مكانتها الخاصة في تاريخ الفلسفة فهي حاضرة في متون الأسئلة الفلسفية منذ أفلاطون حتى اليوم.
فالفلسفة التي تظهر وتكشف عن نفسها من خلال كتابات الفلاسفة والمنظرين عن طريق المفهوم أو جملة المفاهيم والنظريات في الوجود والحياة من خلال الكلمات والعلاقات، لا سيما أن الفكرة الفلسفية هي دائما فكرة وقد تعلقت بقاعدة، أو انطلقت منها وتسامقت إلى أعلى في المقاربات والتأويلات والنتائج، والسينما التي تعبر عن أفكارها وقضاياها ورؤيتها وتصورها للعالم عن طريق الصورة، وما يتبع لها من لون وإضاءة وتشكيل وتكوين وحركة وزمن وشخصيات وأفكار وما تصنعه فنون الغرافيك من خيال ...الخ، حتى أن البعض يذهب أبعد من ذلك إلى القول "ان كل ممارسة فنية هي بذاتها ممارسة فلسفية وفعل تفلسف، فهي تطرح الأسئلة وتنحت المفاهيم وتحاول الإجابة عن إشكالات العالم والوجود والإنسان؛ إنها تحاول جاهدة فهم العالم"، وهذا الأمر تقابلاً أو تكاملاً أو تضاداً يذهب بنا إلى السؤال: هل العلاقة أو العلاقات ممكنة بين كل من الفلسفة والسينما، وهل ثمة لحظة يمكن الوصول فيها إلى لحظة التعانق والوصال بين الفلسفة والسينما؟
لا يزال المجال الذي يجمع بين السينما والفلسفة مجالا حديثًا نسبياً، ومع ذلك فقد ناقش الكثير من الفلاسفة ومنظري السينما عبر تاريخها تلك العلاقة بأشكال مختلفة ومتباينة أحياناً، ولكن لا يمكن غض الطرف عن كون امكانية وضع السينما كوسيط فلسفي؛ فالسينما الى حد كبير تشكل وسيلة جيدة ومهمة ومناسبة جداً لمعالجة القضايا الفلسفية؟ وذلك لقوة السينما وتأثيرها وحضورها الجماهيري الكبير، مما يجعلها ملعباً فسيحاً لتلك النقاشات الفلسفية، فالسينما هنا وسيط للأفكار والقضايا والنقاشات الفلسفية المتعددة الأوجه والنظريات، فالسينما هنا تقوم بعرض وتنويع الموضوعات الإنسانية والفكرية التي اشتغلت عليها الفلسفة، وتعبر عنها عن طريق الصورة والمشاهد المرئية بواسطة أحداث وشخوص وحوارات" إنّها تعبر عن التأملات الفلسفية وعن المكتوب والمفكر فيه داخل الفلسفة عن طريق المرئي والمُشَاهَد" ناهيك عن القضايا الفلسفية الخاصة التي تطرحها السينما كفن بذاتها ولذاتها وعلاقتها بالفنون الأخرى والفلسفة على وجه الخصوص، وكذلك أسئلة المشاهدة والجمال والقبح، ولماذا يستهوي الناس هذا النوع عن ذاك، ما المتعة في السينما والصورة.
لا يمكن اختزال فن السينما في مجرد تعبيرين فضفاضين، الخيال أو الواقع، انها تجانس وتداخل بين هذين البعدين، إنها في معظم الأحيان تفتح لنا الباب أمام الخيال والصور الخيالية كأننا أمام تجربة من الأحلام، لكنها في المقابل وفي الكثير من الأحيان تُبرز الواقع أمامنا واضحا بقسوته وشراسته السوداويتين"، فهي تحمل في طياتها الواقع والخيال المادي
والمجرد؛ إنه الاختلاف الذي يطبع السينما ويمنحها جمالياتها، خصوصيتها وقوتها، فالحديث عن السينما هو بالضرورة حديث عن التعدد؛ تعدد الروئ ووجهات النظر، ومن ثم تعدد الأنساق السينمائية"، ومن هنا يمكن القول إن قدرة السينما على تصوير الحياة كما تبدو في الحقيقية وفي الخيال، والحياة غالباً ما تكون خيالية بدرجة ما، هي ما تشكل الصلة الجذرية والعميقة والمتبادلة بين الفلسفة والسينما، الأمر الذي جعل الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين (1940 - 1892) يصفها بأنّها "الفن الوحيد الممكن في المستقبل"، وذلك بعد أن رأى ما حققته السينما من تقدُّم ثوري في مجال الصورة المتحركة والجماهيرية الواسعة الذي حققته عبر تاريخها، وهو ما يشير إليه المفكر الفرنسي دولوز بالحديث عن تاريخية فن السينما وحضوره فيلمح إلى أن السينما لا يمكن أن توجد إلا إذا تعلّقت الحركة بنظام مواقع أو مواضع، إذاً متى توجد السينما؟ يتساءل دولوز، توجد السينما عندما تُحلل الحركة ويفضي هذا التحليل إلى شرط تركيبها، وتحليل الحركة يمر بالضرورة بالصورة الفوتوغرافية.