حسب الله يحيى
نعم، نحن جميعاً في رعاية الدولة. في رعايتها أمنياً وإقتصادياً وصحياً ومعرفياً، ولا يعني هذا أن نكون في رعاية الدولة والاتكاء عليها كلياً والانزواء في منطقة الكسل والاسترخاء والاتكال على ما تغدقه علينا من عطايا.
الدولة، ليست منظومة رعاية وحماية لمن لا يكلف نفسه في إرواء نفسه، والتعامل بالحسنى مع الآخرين، واحترام القوانين، وإعداد وجوده بوصفه مواطناً صالحاً يرعى حقوقه، ويصون حقوق سواه.
لكن الدولة برمتها، إنما وجدت لتنظيم حياة المواطن، وليست لإذلاله واهانته وتجويعه وتمريضه وتجهيله، وتهجيره، وتدميره كذلك. الدولة، ليست حضانة اطفال، تتكفل بالمواطن من يوم مولده إلى أوان موته. الدولة، معنية بإصدار القوانين وتنفيذها، لا أن يتم إصدار قوانين على الورق، بينما تغيب عن الواقع، وهذا الواقع المر والمرير، لا يمكن أن يظل خالداً وأزلياً واستثنائياً، من هنا، لا يمكن أن يبقى المواطن محكوماً تحت طائلة:
الحصة التموينية، والحصة الدوائيَّة والرعاية الاجتماعية.
ذلك أن الظروف التي وجدت فيه هذه (الحصة)، وهذه (الرعاية) ظروف يفترض أن تكون مؤقتة، فرضها واقع اقتصادي سلبي ومتدهور، ووضع مثل هذه الظروف في عائق وزارة التجارة، وضع غير موفق، فالأمر يتطلب وزارة اقتصاد وتموين، لتؤمن قوت الناس وتنظم اقتصاد البلاد، الذي يعاني من الفوضى والانهيار والمعاناة التي تتفاقم يوماً بعد آخر، من دون أن تلوح في الأفق بادرة أمل، أو حلول موضوعية عادلة ومنصفة للناس الذين يعيشون تحت خط الفقر.
ويبدو أن وزارة التجارة، معنية بالتجارة والتجار، أكثر من عنايتها باستيراد المواد الغذائية الأفضل، لتوزع بين المواطنين الذين لا يجدون ملاذاً ولا حلولاً لدى هذه الوزارة، بدليل أن المواد التي يتم توزيعها في بطاقة الحصة التموينية، مواد رديئة في الغالب، مما أضطر الناس إلى بيعها بثمن بخس وشراء مواد صالحة للاستخدام البشري، وكذا الحصة الدوائية التي لا تتوفر إلا بشق الأنفس، وهي حصة متواضعة وليست من مناشئ دوائية عالمية معروفة بجودة الدواء، الذي تقوم بإنتاجه وتوزيعه.
أما ما يتعلق بالرعاية الاجتماعية، فهي لاتسد في تخصيصها المالي الحد الأدنى من حاجات المعوزين والمقعدين وذوي الدخل المحدود أو المعدوم أصلاً، ولا علينا من إطماع البعض واستلامهم مخصصات هذه (الرعاية) التي ترعاهم من دون استحقاق ولا عدالة ولا إنصاف، إلا أن أطماع النفوس المريضة التي يحملونها تحرم الكثيرين ممن هم بأمس الحاجة إلى هذا المبلغ الضئيل والمذل في الوقت نفسه، ومع ذلك لا يحصلون عليه إلا بعد سلسلة من الاجراءات المعقدة والتحقيقات المذلة والمرة، في وقت نجد البعض متخمين بالاموال التي يستلمونها حقاً وباطلا، وينعمون بها نعمة لا يستحقونها وغير جديرين بها، إلا أن فوضى الرواتب وعدم ايجاد توازن في سلم الرواتب من شأنه أن يجعل هذا الحال، والمسافة بين مواطن يعيش في الدرك الأسفل، بينما يهنأ سواه من دون وجه حق بترف مادي ومعنوي، مسافة فيها الكثير من الغلظة والاعتداء على بسطاء الناس. نعم، الدولة برمتها مسؤولة عن رعاية هذه الطبقة المسحوقة في المجتمع، مثلما هي مسؤولة عن هذا (الكرم)، الذي لا مسوغ له مع هذه الفئات من البشر، الذين لا يميزهم عن سواهم سوى انتماءاتهم وعلاقاتهم وتحزبهم الذي يرعاهم من دون سواهم من خلق الله.
إن الدولة، هي الراعية التي نحتاج إليها في الملمات، والملمات التي تحيط بالعراقيين كثيرة وهي من كل جانب، بحيث تسهم في تحطيم قمر خبزهم وحمامة سلمهم وعافية وجودهم وبناء عقولهم، فهل من انتباهة كلية إلى
معاناة الناس؟.