شيءٌ عن صلاح الدولة وعقلانيتها

آراء 2023/05/03
...

 أ.د عامر حسن فياض

قديماً حيث كانت ممارسة السلطة فردية ترتبط بشخص الحاكم المؤهل أو غير المؤهل وحده لممارستها، سواء بحكم تمتعه بفضيلة المعرفة أو رذيلة القوة أو الثروة أو التوريث، وبذلك تكون سلطته مطلقة بلا قيد ولا قانون ولا دستور يعيق تصرفاته أو يمنعه من تنفيذ ما يرى بعلمه أو مزاجه انه حق وخير وعدل. وهنا يتفوق الخاص الشخصي على العام، دون اعتبار لحقيقة السلطة بوصفها ظاهرة عامة تنبع من الجماعة وترتبط بها وتستجيب لاحتياجاتها.

إن السلطة في عالمنا المعاصر ينبغي ان تكون للقانون لا الفرد وإرادته الخاصة.

فإذا كان أرسطو يرى في القانون (العقل مجرداً عن الهوى) فإن أفضل الحكام وأكثرهم حكمة وعلماً هو الذي يستند إلى القانون كتجسيد فعلي لسلطة العقل لا سلطة الاهواء والإرادات الذاتية الشخصية.

ومن هنا لا بد من جعل إلزامية الاحكام القانونية وعموميتها وشموليتها وهيمنتها على قرارات الهيئة الحاكمة، شرط ضرورة وجوبية لقانونية تلك القرارات وخضوعها لإحكام العقل وإلزاماته، ودليلاّ على صلاح السلطة السياسية الحاكمة وعقلانيتها، ومن ثم صلاح الدولة وعقلانيتها، لتكون السلطة العليا في الدولة للقانون، أي للعقل وليس للحكام.

إن القانون الوضعي هو السيد في هذه الدولة وعليها، مما يسمح بوصفها بأنها دولة القانون أو دولة سيادة القانون.

ولأن أحكام القوانين عامة ومجردة وموضوعية، وليست مرتبطة بحالة جزئية، ولا هي موضوعة لأغراض ذاتية، فلا يمكن أن يستغني عنها أي حاكم مهما كان علمه ومعرفته، لأنها شرط إنجاز الدولة لوظائفها، ووسيلتها لبلوغ أهداف سلطتها الحاكمة الرامية إلى إسعاد مواطنيها وخيرهم الأسمى.

وإذا كان افلاطون قد سبق إلى التأكيد على سيادة القانون في كتابيه (السياسي والقوانين)، فقد جاء ذلك التأكيد في سياق كانت فيه دولة القانون أقل مكانة وأدنى مرتبة من دولة الفلاسفة المثالية، بينما كانت (دولة القانون)، أرقى أنواع الدول عند أرسطو وأفضلها، مما جعله يمنحها التميز والتفوق اللذين منحهما أفلاطون لدولة 

الفلاسفة.

وإذ لاحظ أرسطو اختلاف القوانين باختلاف مشرعيها، وتأثرها بميولهم وأفكارهم، وتوظيفهم لها لضمان مصالحهم وتحقيق أهدافهم، بما يؤكد واقعيته وإدراكه الفرق بين الواقع (الممكن) والطموح.

فقد ميّز ايضا ولأول مرة في تاريخ الفكرين السياسي والقانوني بين: 

- القوانين الدستورية التي تضع القواعد العامة والأساسية المحددة لطبيعة الدولة ونظامها السياسي.

- القوانين العادية التي تستند إلى القوانين الدستورية وتُستمد منها.

وهو التمييز الذي ما زال سارياً ومعتمداً حتى يومنا هذا، وبدلالته يُحكم على دستورية القوانين ومدى التزام الانظمة السياسية بالاحكام الدستورية أو خروجها عنها، لان القوانين الصالحة مصدرها الدساتير الصالحة، وصلاح الدساتير رهن بأخذها بمبدأ سيادة القانون، ولكنه لم يرَ في تطبيق أي نظام حكم لمبدأ سيادة القانون، دليلاً قاطعاً على أنه نظام صالح، لأن الدولة يمكن أن تأخذ دستورياً بمبدأ سيادة القانون، ويكون نظامها السياسي واقعيا نظاماً فاسداً.

ولكن اهتمام ارسطو المكثف هذا بالقانون، لم يمنعه من القول باحتمال ظهور حاكم فرد مميز عن رعيته حتى يبدو كأنه (إله بين الناس)، حاكم أو نخبة مميزة من هذا النوع، تصدر أحكامه أو احكامهم عن عقل راجح، واستثنى أمثال هؤلاء من الخضوع للقانون، لأنه لم يشرع لهم اصلا، ولأنهم هم أنفسهم القانون، لكنه أكد ندرة أو استثنائية ظهور مثل هذا الفرد أو تلك النخبة، وخروجه إذا حدث على قاعدة تحقيق الخير للجميع من دون استثناءات، لذلك نجده يعود إلى رأيه الاول بشأن أفضلية الدولة الدستورية الآخذة بمبدأ سيادة

القانون.