أشياء الدولة وأشياء الناس

آراء 2023/05/03
...

 ساطع راجي

 

حتى أشد الدولة تبنيا للنظام الرأسمالي، صارت تتجه إلى تقديم مختلف أنواع الدعم للمواطنين، لضمان حصولهم على خدمات وسلع إما مجانا أو بأسعار مخفضة، وبالتالي لم يعد الدعم وصفة اشتراكية، كما انه لم يعد وصفة مؤقتة تستخدمها الحكومات أوقات الحرب والازمات، ولذلك لا يوجد اعتراض معاصر على دعم الدولة للمواطنين، إنما يدور الاعتراض على إدارة هذا الدعم.

أفضل أشكال الدعم وأقلها ضررا هي تلك التي تعتمد إما خفض مدفوعات الفئات الفقيرة والهشة للدولة، مثل الرسوم والضرائب أو مساهمة الدولة في جزء أو كل مدفوعات المواطنين للقطاع الخاص مقابل الحصول على خدمات وسلع إستهلاكية وانتاجية ضرورية، وهو ما يعني أن الدولة بذاتها ليست جهة توزيع للسلع ولا توفير للخدمات لإن هذا يضر بسوق العمل، ويعطل دورة الاقتصاد ويحرم المجتمع من تطوير مؤسساته الاقتصادية الخاصة.

بمعنى عملي، الدولة لا توفر الطحين ولا الصمون ولا الأدوية، والدولة لاتفتح أسواقا مركزية تعيّن بها آلافا من الموظفين الحكوميين، الذين يعاملون المواطن بتعال وكسل، إنما يذهب المواطن لشراء هذه الاشياء والخدمات من القطاع الخاص عبر كوبونات تعطيها له الدولة التي تتفق مسبقا مع موردين كبار للسلع والخدمات.

هذه الوصفة البسيطة ليست سرا ولا اختراعا، إنما هي نظام عالمي معتمد منذ عقود من السنين في عشرات البلدان، التي تريد تجنيب جهازها الحكومي الغوص في تفاصيل التعاقدات الفاسدة والتعامل مع مشكلات بعدد المواطنين المستفيدين من الدعم، وإذا كان العراق قد تبنى تحول الدولة إلى بائع مباشر للمواطنين بسبب الفهم السيئ للاشتراكية، أو بسبب رغبة السلطة بالتحكم في كل شيء أو بسبب الحصار في التسعينيات، فيفترض اليوم إن كل هذه العوائق قد زالت أمام تدفق السلع مع وجود مزاد يومي للعملة الصعبة يمول شتى أنواع الاستيرادات.

إن كل تدخل تفصيلي مباشر للدولة في شؤون وأشياء الناس الصغيرة، إنما يعطل النمو الطبيعي للمجتمع ويخلق مؤسسات ضخمة مهمتها عرقلة الحياة بالروتين والفساد حتى لو استغلت من أجل ذلك أبهى الشعارات.

الدولة المعاصرة لا تنتج ولا تبيع أشياء مثل الأحذية والمصابيح والقمصان والصمون و...، هذه أشياء الناس التي على الدولة توفير مناخ يسمح لهم بانتاجها وتداولها، ويأتي الفقراء والضعفاء اقتصاديا للدولة بفواتير غذائهم وعلاجهم ومدارسهم،فتسدد الدولة بشتى الطرق لمن قدم الخدمة وليس للمستفيد منها.

الدولة وحش عملاق، كما تصفه بعض نظريات السياسة وتوريطه بأشياء الناس الصغيرة تدفعه إلى تحطيمهم.