مفهوم المعارضة في العراق وفي الدول البرلمانيَّة

آراء 2023/05/03
...







 عبد الحليم الرهيمي


تتباين الآراء وتختلف حول مفهوم وتوصيفات المعارضة السياسية من بلد لآخر، بل وحتى داخل البلد الواحد وذلك لاختلاف أوضاعه التاريخية ومسار تطوره السياسي.

فمن المعروف أن المعارضة السياسية في البلدان البرلمانية (أي التي فيها برلمانات) مثل البلدان الاوربية والولايات المتحدة الاميركية وكذلك الهند واليابان والباكستان.. وغيرها، تكون المعارضة السياسية فيها ممثلة في البرلمان سواء بحزب أو ائتلاف أحزاب فائزة ومتقدمة على القوائم الاخرى في الانتخابات، وذلك مقابل احزاب أو تحالف لم يحوزوا على عدد من الاعضاء الذين تضعهم في المقدمة وتمنحهم حق تشكيل الحكومة، فيتخذون موقع المعارضة للحكومة وللحزب والائتلاف اللذين تمثلهما، وبالطبع فإن لحزب وائتلاف السلطة برنامجهم السياسي الذي يحدد ويرسم سياساتهم واساليب عملهم، وذلك مثلما لحزب وائتلاف المعارضة لهم برنامجهم السياسي وسياساتهم التي يتقدمون بها ويعترضون على برنامج وسياسات الحكومة واحزابها بسياسات ومواقف يعتبروها هي الاصح والمناسبه، والتي يحظون بها على تأييد المواطنين وعلى اصواتهم الانتخابية في الدورة الأنتخابية التالية كما يراهنون. هذا المفهوم أو التوصيف للمعارضة السياسية وللسلطة السياسية وانصارها (الموالاة) في البلدان البرلمانية، لا ينطبق على حالة المعارضة السياسية (والموالاة) في العراق. واذا ما تجاوزنا استحضار تجربة المعارضة السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى عام التحرير والتغيير في 2003 وتوقفنا عند المرحلة الجديدة التي تلتها يطرح السؤال: هل بدأت منذاك مرحلة نظام برلماني صحيح بعد اقرار دستور 2005 وتحديداً منذ الدورة الانتخابية الاولى، التي تلت ذلك وانتجت تشكيل حكومة ومعارضة لها في البرلمان؟ الجواب هو: كلا بطبيعة الحال والواقع السائد حتى  الان.

والمعارضات التي كانت تحصل في البرلمان بين الكتل السياسية نفسها وبين هذه الكتل والحكومة وكتلها والصراع بينها، لم يكن صراعاً على اساس برامج وسياسات، إنما على أساس مصالح ومكاسب حزبية وفئوية ضيقة، ولأن الانتقادات والمعارضة لا يمكن وصفها بالسياسية وعلى أساس البرامج، فإنها كانت تظهر بوضوحأنها صراعات بين المتحدثين باسم كتل واحزاب عرقية ومذهبية وطائفية قد يؤدي اذا ما تصاعد واتسع نطاقه إلى صراع عرقي ومذهبي وطائفي، وهو الامر الذي شهدنا الكثير من تعبيراته المدمرة التي اسس لها دستور 2005 باعتبار الشعب العراقي شعب مكونات عبرت عن نفسها باحزاب وكتل مكوناتية لا سياسية وطنية.

لذلك لم يكن (البرلمان) العراقي منذ دورته الاولى حتى الدورة السادسة الحالية شبيهاً أو نظيراً لبرلمانات الدول البرلمانية، التي تقوم أحزابها على أساس المواطنة السياسية لا إلى المكونات العرقية والمذهبية والطائفية، وهذا يعني أن البرلمان العراقي سيبقى محكوماً لهذا المسار ومضامينه، ما لم تظهر أحزاب سياسية وطنية تمثل الموالاة والمعارضة ذات برامج سياسية لا اثنية ولا طائفية ولا مذهبية.

وبسبب هذه الحالة التي اتسم بها البرلمان العراقي منذ دورته الاولى، فقد أفرز موضوعياً خارجه نشوء معارضة سياسية وطنية لحكومات الموالاة في البرلمان على حد سواء، وقد برزت نواة ذلك في التظاهرات الاحتجاجية المعارضة عام 2011 ووصلت حد ذرواتها في انتفاضة – ثورة تشرين عام 2019.

اما الان فتجري مساع نشطة لتشكيل معارضة سياسية وطنية ببرنامج وطني وممارسات وطنية سلمية رافضة للعنف، لمواجهة الكتل العرقية والطائفية والمذهبية التي يطلق عليها بـ (الكبيرة)، والتي تسيطر وتتصدر المشهد السياسي الرسمي حالياً. وتأمل هذه المعارضة الوطنية أن توحد جهودها وعملها بقائمة انتخابية واحدة للدورة الانتخابية القادمة، بأمل الحصول على اغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة، أو أن تشكل معارضة برلمانية قوية فاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية العراقية.