الديمقراطية والإدارة المحليَّة

آراء 2023/05/03
...

 طالب سعدون

لم تشترط الديمقراطية كثرة الاحزاب و( توزيعها بين المواطنين بالتساوي) ليكون البلد ديمقراطيا.. فقد تعطي (الكثرة) مردودا عكسيا وتتحول إلى (دكتاتورية) تمارسها الاحزاب بمسمى ديمقراطي، عندما تتكرر الأحزاب والوجوه نفسها في كل دورة انتخابية أو بما (يتفرخ) عنها من أحزاب أخرى خاصة في مواسم الانتخابات.. وقد تكون بابا للخلافات وسرقة الثروات والاستئثار بمغانم السلطة.

وبتطبيق هذا القياس (الديمقراطي) تكون دول كثيرة منها امريكا على سبيل المثال في قمة الديكتاتورية، لانه ليس فيها غير حزبين رئيسيين، يتنافسان، ويتناوبان على السلطة، (الجمهوري والديمقراطي).

 واثبتت التجارب أن كثرة الاحزاب تخلق حالة من الصراع بينها خاصة قبل الانتخابات، وبعد ظهور نتائجها، والى أن تحسم الرئاسات ويحصل الاتفاق على توزيع الوزارات والشعب في حالة انتظار لتشكيل الحكومة، لكي تسير عجلة الحياة في البلاد، دورة برلمانية تعقب اخرى والامور تسير على هذه الرتابة المملة دون تغيير. 

ومثلما انه ليس شرطا للديمقراطية كثرة الاحزاب، كذلك ليس قاعدة ادارية تصلح للقياس على جميع الدول الصغيرة والكبيرة أن يكون اضعاف المركز وتفكيك الدولة واستنزاف ثرواتها، من خلال كثرة الاقاليم وتشكيل مجالس المحافظات هي الطريق الامثل للديمقراطية وخدمة المواطن وتقديم الخدمات المتطورة.. وكأن الديمقراطية الرشيدة والخدمة بمستواها الحضاري الراقي محصورتان بهذا الطريق.. لكن التجربة اثبتت العكس.. فاللامركزية الادارية والمجالس في العراق لم تحقق شيئا للمحافظات قبل حلها.. كانت حلقات زائدة وفاشلة عززت من سلطة الاحزاب والقوى السياسية وحصرت المناصب بيدها.

سؤال يتردد كثيرا... اذا كانت تجربة مجالس المحافظات فاشلة وحلت بعد احتجاجات شعبية اندلعت في تشرين اكتوبر 2019 لأنها تمثل أحد أوجه الفساد وهدر المال العام غير المبرر في نظر المتظاهرين.. لماذا العودة إليها مرة اخرى.؟.

صحيح أن وجود مجالس المحافظات يستند إلى الدستور، ولكنه ليس أقدس من القرآن الكريم الذي أجاز الطلاق مثلا،، ولكنه سبحانه، اعتبره في الوقت نفسه، أبغض الحلال، لانه يتسبب في تفكك الاسرة.

حق مشروع أن تتطور الخدمات، وتتوسع الصلاحيات لرؤساء الوحدات الادارية، من أجل الارتقاء بالمدن وتطويرها، دون ربط ذلك بتشكيل مجالس المحافظات أو بزيادة الاقاليم وعدد المحافظات.

إن المواطن تهمه بالدرجة الاساس الخدمات والأمان، ومستوى تطور مدينته، وليس صنفها الاداري ( عاصمة، أم مدينة أم قرية..) وهناك في العالم المتقدم، قرى أفضل بكثير من مدن كبيرة، يهرب اليها من ينشد الراحة بعيدا عن الضجيج والزحام، وفيها من وسائل الراحة ما يضاهي تلك المدن الكبيرة. إن من حق المدن بمختلف تسلسلاتها الادارية أن تتمتع بصلاحيات واسعة ومناسبة تمكنها من أداء واجباتها بصورة صحيحة.. كما أن من حق المواطن في أقصى بقعة في العراق أن يحصل على حقه في ثروة بلاده من خلال خدمات متطورة وعمل مناسب، وهذا حق مشروع لا يرتبط بمستوى المدينة الاداري. ولا بوجود مجالس المحافظات.