لماذا التلويح بعدم إقرار الموازنة؟

آراء 2023/05/03
...

 د. علي كريم خضير


بعد أن أُرسلت الموازنة من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب بدأت الأحداث الجانبية تترى من قبل الأطراف الفاعلة في العملية السياسية. وإذا كانت الحكومة قد قدَّمت برنامجها السياسي في وضوحٍ تام، وأعدَّت الخطط اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج بكلِّ دقة، وبرهنت على صدقها في إعداد موازنة ثلاثية الأعوام من أجل السيطرة على الوقت للوصول إلى المراحل النهائية في تنفيذ المشاريع كافة. كذلك ما قامت به من إجراء تسوية مبدئية شاملة للخلافات السياسية والإدارية بين المركز والإقليم في غضون فترة وجيزة، الأمر الذي جعل حكومة الأقليم تشعر بارتياحٍ كبير لهذا التعاطي في جدِّية حلِّ الخلافات العالقة، بعد إن كانت تُرحَّل من حكومةٍ إلى أُخرى وتبرز إلى العلن في مناقشات إعداد الموازنة أو التصويت عليها. هذه الجمل التكتيكية السَّديدة التي قامت بها حكومة السوداني تفرض علينا الإشادة بها والتنويه عنها في كلِّ المحافل الرسمية؛ لأنها تدخل في باب مصلحة الجميع، ومراعاة مصدر عيش المواطن في ظل حياة بالغة الصعوبة. بيد أنَّ السجالات التي تلوُّح بها رئاسة مجلس النواب وبعض الكتل السياسية المنضوية تحته تدعو إلى الاستغراب من حجم المطالب المطروحة، وعدم اختيار التوقيت الصحيح فيما يتعلق بمعرفة مصير المغيبين في معارك التحرير، أو عودة المهجرين... وقد يكون العمل على هذه المطالب واجباً وطنياً تمليه عليهم الاستحقاقات الانتخابية الموكلة إليهم من قبل الجمهور، غير أنها ليست مخصوصة بحيثيات الموازنة التي تستهدف المواطن في كل أرجاء البلاد، لذا يجب التغلب على العادة التي جرت بين الفرقاء في تجديد خلافاتهم في كل مرة أثناء عرض القانون على التصويت في البرلمان، وما يتخلل عملية التصويت من مشادَّات كلامية وحالات شدٍّ وجذب تصل إلى فجر اليوم التالي في بعض الأحيان، هذه الولادات العسيرة لا بدَّ أن تحكم على المولود الجديد بالإجهاد والضعف البدني والنفسي، وبالتالي سوف تفتقد الموازنة إلى الرؤية الشاملة في اقرارها.

 بيد أنَّ ما يحصل اليوم هو أمرٌ مغايرٌ عن الحكومات السابقة، فالحكومة الحالية بكادرها الوزاري مستعدِّة على لسان رئيسها بالحضور إلى قاعة البرلمان ومناقشة أي استفسار مطلوب من قبل أعضائه.