عالم بلا حروب

آراء 2023/05/04
...

 ميادة سفر


اعتقد البعض في تسعينات القرن الماضي بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي أن عالماً من السلام والأمان سيعم الأرض، وسوف تنعم البشرية بالاستقرار والهدوء، غير أنّ أياً من تلك الآمال لم تتحقق، إذ كان القرن العشرين الأكثر دموية في تاريخ البشرية، واستمرت آثاره وتداعيات أحداثه إلى يومنا هذا، لأن البعبع الذي لطالما صورته الولايات المتحدة الأميركية وشركائها وروجت أنه سبب المشاكل في العالم «الشيوعية»، لم يعد موجوداً أو على الأقل لم يعد بالقوة التي كان عليها، فضلاً عن تكشف الأكاذيب والأوهام التي كثيراً ما روجتها أميركا حول العالم، فالحروب لم تكن بفعل طرف دون آخر ولا لأسباب محددة، ها هي واشنطن ستخوص الكثير من الحروب لاحقاً تحت مسميات وذرائع شتى دون أي رادع أخلاقي أو إنساني.

ما يجري اليوم في السودان من حرب واقتتال بين أبناء البلد الواحد، أو الحرب الروسية الأوكرانية، والحروب المتتالية التي عانت منها منطقتنا العربية، سواء مع المحتل الإسرائيلي أو حروباً أهلية أو مع دول الجوار، يدعونا للتساؤل والبحث عن الأسباب، التي تدفع الإنسان كائناً من كان إلى شن حرب على الآخرين والتسبب في القتل والدمار، فضلاً عن تشريد الآلاف من البشر، مع كل ما يترتب على الحروب من مشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية.

في معظم الحالات تكون الحكومات والزعماء وليس الشعوب هم المبادرون إلى شن الحروب، وغالباً ما تكون بسبب نزاع حول الأرض والموارد الطبيعية، أو رغبة من الدولة في بسط نفوذها وسيطرتها على مناطق أخرى خارج حدودها، أو تحت ذرائع مثل مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية، الذين رفعتهما الولايات المتحدة الأميركية في حروبها خلال العقود الأخيرة.

في جانب آخر ثمة عامل مهم لا بدّ من الإشارة إليه في إثارة الحروب، وهو المتعلق بالهوية الجماعية، فالانتماء للجماعة والهوية يشكل محركاً أساسياً لكثير من النزاعات العرقية والقومية والدينية، فالحروب عادة ما تدفع البشر إلى التمسك أكثر بهويتهم العرقية والإثنية والقومية والشعور بالفخر بانتمائهم لبلدهم ودينهم، وغالباً ما تستخدم تلك النقاط وتستغل من قبل التنظيمات لشحذ همم مقاتليها أو تجنيد عناصر للقتال إلى جانبها، يؤدي في كثير من الحالات إلى تعصب أعمى وانقياد كالقطيع خلف الزعماء والقادة الدينيين والسياسيين.

كثيراً ما شكل إلغاء الحروب هاجساً للجنس البشري ومحط اهتمام الكثير من الفلاسفة، فقد اعتبر المفكر الراديكالي الإنكليزي توماس بين أن الحل الذي من شأنه إزالة تهديد الحرب يتمثل في نشر الديمقراطية، في الوقت الذي رأى الفيلسوف الإنكليزي جيرمي بنثام أن الحل يكمن في القضاء على الطموح الاستعماري، ذهب جون سيتوارت ميل إلى أنّ النشاط التجاري من شأنه أن يؤدي بشكل سريع إلى جعل اللجوء إلى الحرب أمراً عتيقاً.

على الرغم من كل الآمال والاقتراحات بشأن عالم بلا حروب، إلا أنّ التاريخ والأحداث تجري بما لا تشتهي سفن الداعين للسلام، فلم تحل مؤتمرات لاهاي، حيث اجتمع رجال دولة ودبلوماسيين من الحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من أنّ أصواتاً كثيرة اعتقدت أنها حرب نهاية الحروب، إلا أنّ الواقع كان خلاف ذلك، فلم تمض سنوات حتى عادت جبهات أوروبا للاشتعال ووصل الحريق إلى دول عدة في العالم، وتتالت الحروب في غير بقعة من الأرض وحتى يومنا هذا، وهنا في المنطقة العربية، التي لم تتعلم وتستخلص الدروس من غيرها، لا تكاد تنطفئ حرب في دولة حتى تشتعل في أخرى.

في إحدى المشاهد من مسرحية هاملت لشكسبير يقول الكابتن: «نحن نقاتل للحصول على رقعة صغيرة من الأرض، ليس من ورائها طائل سوى الاسم» هل نصل يوماً لوقت تخلو فيه الأرض من الحروب، تلك المبنية على الأطماع التي لا طائل منها، التي لا تقدم إلا مزيداً من الدماء والقرابين البشرية في سبيل أهداف أقل قيمة من الإنسان وحقه في العيش بسلام؟.