لطيف العاني.. المصور الذي وثق ولادة العراق الحديث

منصة 2023/05/07
...

 فاينانشيال تايمز

 ترجمة سلام جهاد

أرَّخ لطيف العاني انتقال بلاده إلى الحداثة. بعد مرور 20 عاما على الغزو الأمريكي، كانت صوره مؤلمة لكنها ضروريَّة. تقف امرأة برّاقة في نظارتها الشمسيّة ومعطفها المكسو بالفراء على جانب الطريق، يلامس كعبها الطريق. أمامها، يقود راعي قطيعه بعيدا عن الطريق السريع. خلفهم، تتراجع أبراج الكهرباء عن بُعد. يبتسمون على عدسة الكاميرا. العام 1961. البلد، العراق، الذي كان على أعتاب عصر جديد.

كان لطيف العاني (1932 - 2021)، الذي يُعد "أبو التصوير العراقي"، وأكبر مؤرخ لانتقال بلاده إلى الحداثة. عمل من أواخر الخمسينيات إلى أواخر السبعينيات، وهي الفترة التي أدى فيها اكتشاف النفط في العراق إلى تطور وازدهار غير مسبوقين.

كان صاحب العمل الأول للعاني هو شركة نفط العراق، حيث عمل مصورًا لمجلتها الداخلية، أهل النفط. بعد انقلاب 1958 الذي أسس الجمهورية العراقية، أسس قسم التصوير في وزارة الإعلام، بعد ذلك قسم التصوير في وكالة الأنباء العراقية. سافر في جميع أنحاء البلاد، وقام بتوثيق كل شيء من الحياة اليومية في الريف ومشاريع البناء في بغداد، إلى المواقع الأثرية القديمة وبساتين النخيل الواسعة. لكن العمل كداعية للجمهورية الجديدة لم يجرِ معه بارتياح تام.

في حديثه في عام 2015 إلى تمارا شلبي، من مؤسسة رؤيا، عندما تم إدراج عمله في بينالي البندقية، قال العانيك "أردت إظهار تراثنا مقابل حاضرنا، والتباين بين الماضي والحاضر". كان يخشى سرعة تحديث بلاده على حساب تقاليدها الغنية والمتنوعة. خلال الفترة التي كان يعمل فيها، كان العراق مكانًا للتناغم العرقي والديني النسبي، وقد رسم العاني صورًا لطيفة للأيزيديين والأكراد والمندائيين.

وتابع "الخوف الذي كان لدي هو ما نعيشه اليوم". "لقد بدأ مع ثورة 1958. هذا الماضي يتم حذفه. تم حذفه.. تم فتح صندوق باندورا وحكم الجهلاء الذين ليس لديهم ثقافة أو فهم للسلطة التي يمتلكونها. كان الخوف دافعًا رئيسيًا لتوثيق كل شيء كما هو. فعلت كل ما في وسعي للتوثيق، للحفاظ على ذلك الوقت".

أثناء وجوده في الوزارة، طوّر العاني جمالية متفائلة وتقدمية. قام بتصوير النساء في العمل، والفتيات في فصول الصالة الرياضية، وطلاب الهندسة الميكانيكية والهندسة المعمارية الحديثة. العديد من هذه الصور، وخاصة الصور الهوائية، لها أصداء للفنانين البنائيين السوفييت، الذين كانت مهمتهم إنشاء لغة جمالية جديدة لواقع اشتراكي جديد.

على مدار عملي في الدولة.. قال العاني.. إن البلاد مرت بالعديد من التغييرات الأيديولوجية التي كانت متناقضة في كثير من الأحيان. "على سبيل المثال، بعد ثورة 1958، كانت الدولة اشتراكية أيديولوجيًا وأرادت الترويج للطبقات العاملة، لذلك التقطت الكثير من الصور للصناعات القائمة والعمال والمزارعين وما إلى ذلك. بعد عام 1963، كانت الحكومة قومية وكانوا يهتمون أكثر بأشكال الحياة السياسية المختلفة، لذلك كان تركيزي أكثر على الشخصيات والتجمعات والخطب، وانحرفت أكثر نحو الصحافة".

لكن الجمال كان دائمًا في صميم عمله. عندما سئل في عام 2018 عما إذا كان يعتقد أن التأثير الرسمي في صوره له الأسبقية على المحتوى الوثائقي، أجاب "لقد فعل بقدر ما هو رغبته في التأكد من أن كل صورة كانت جميلة، فضلا عن كونها وثائقية. كنت دائمًا منشغل بالجمال".

حقق العاني بعض النجاح الدولي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث أقيمت معارضه في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية. مع ذلك، انتهت حياته المهنية فجأة عام 1979 عندما وصل صدام إلى السلطة وجعل التقاط الصور في الأماكن العامة أمرًا غير قانوني. وقال "شعرت بالاشمئزاز من حقيقة أن حمل الكاميرا أصبح عملاً خطيرًا، ولم أعد أرغب في أن أصبح مصورًا". "غادرت العراق لفترة وجيزة، لكنني عدت لأنه بيتي".

بالنظر إلى صوره الآن، بعد 20 عامًا من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق الذي أطاح بصدام، فإنها تبدو غير واقعية، بل ضرب من السحر. مع العلم بعقود الدمار التي ستليها، فإن مشاهد التفاؤل هذه تجعل المشاهدة مؤلمة وضرورية.