الأرشمندريت أوشكان كولكوليان رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق: وجودنا قديم في البلد ونطالب بتمثيل في البرلمان
حاوره: سعد سلوم
تحتفي الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية في العراق السبت المقبل 13 أيار، بمرور عام على انتخاب الأرشمندريت أوشكان كولكوليان رئيساً لطائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق، وقبل أيام أحيت الكنيسة في العراق والعالم الذكرى 108 للإبادة الجماعية للأرمن التي تصادف 24 نيسان من كل عام.
وأعرب الأرشمندريت أوشكان كولكوليان، عن تفاؤله بالحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني وما تسعى إلى تحقيقه في محاربة الفساد وإرساء الاستقرار والسلام في البلاد، مبيناً أن اهتمام القيادة الحالية ورعايتها للأقليات وعموم أبناء الشعب العراقي يبعثان الأمل في النفوس، وبينما أكد أن الوجود الأرمني في البلاد قديم جداً، طالبَ كولكوليان بتمثيل هذا الوجود بمقعد في البرلمان الاتحادي، وأوضح في حوار مع “الصباح”، أنه يتفهم موقف الحكومة العراقية وعلاقاتها بتركيا، إلا أن المطالب بالاعتراف بالإبادة الجماعية التي حدثت للأرمن قبل أكثر من قرن من الزمن ستتواصل في كل مكان وزمان... إلى نص الحوار مع رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس:
• تم انتخاب سيادتكم أسقفاً جديداً للطائفة الأرمنية الأرثوذكسية في العراق في 13 أيار 2022. كيف ترون واقع ومستقبل هذه الجماعة القديمة في بلاد ما بين النهرين؟
- يتمتع الأرمن بعلاقات جيدة للغاية مع بقية المكونات وتاريخ من التعايش والوجود السلمي في العراق، وهذا مبني على تاريخنا العميق الذي يمتد لقرون هنا، لكني أرى الواقع والمستقبل للأرمن بنفس الطريقة التي ترى بها كل طائفة مسيحية أخرى هنا في العراق مستقبلها، نحن أقلية، حتى مع علاقتنا السلمية داخل العراق، فإذا استمر إيقاع معاملتنا كمواطنين من الدرجة الثانية، مع فرص قليلة للوظائف اللائقة والسكن الميسور التكلفة، فسيُشكّل الأمر تحدياً مستمراً بالنسبة لنا، ومع ذلك، إذا فرضت الحكومة مبدأ سيادة القانون على الجميع، وبدأت في تحقيق الاستقرار في البلاد، فسيرى الشباب مستقبلاً هنا. يرغب شبابنا حالياً في الزواج والحصول على منزل، ولكن لا توجد خيارات سكنية بأسعار معقولة بناءً على المداخيل المتوفرة في سوق العمل.
لدي أمل في العديد من المجالات، أرى رئيس الوزراء يحارب الفساد، ويحاول إعادة النظام، ويبذل جهوداً لتثبيت سعر صرف العملات الأجنبية، وفي وقت أعيادنا المسيحية، تعرف علينا، مما يدل على تغيير في ذهنية القيادة، نحن الأقليات نلاحظ هذه الجهود، فهي تتضمن معنى مهمًا بالنسبة لنا، مع هذا الاهتمام والرعاية من القيادة (الحكومة الاتحادية) يرتفع منسوب الأمل بالنسبة لنا، آمل أن يواصل رئيس الوزراء الاعتراف المحترم بالمسيحيين وعمله في جعل بغداد والعراق مكاناً أكثر شرعية واستقراراً.
عندما كنت أترعرع في لبنان، عاش المسلمون والمسيحيون معاً بسلام، كان هذا هو الحال في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كنا مجتمعات نعيش بشكل جيد، بسلام، بسعادة، جنباً إلى جنب، نحن الأرمن نأمل في العودة إلى تلك القيم.
ذكرى الإبادة
• ما هي الأبعاد الرمزية والسياسية المختلفة لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن في العراق وبلدان الشرق الأوسط؟ هل يختلف السياق بالضرورة من بلد إلى آخر؟
- نحن الأرمن جميعاً مثل جسد واحد، بغض النظر عن المكان الذي نجد فيه أنفسنا في جميع أنحاء العالم، أخذتني خدمتي للكنيسة الأرمنية إلى العديد من البلدان المتنوعة في جميع أنحاء المعمورة، ولكن عندما أخطو إلى مجتمع أرمني جديد، بغض النظر عن المكان، أرى الشعب نفسه، الهوية نفسها في كل مكان، نتشارك القصص ذاتها، والحب نفسه لإيماننا وعائلاتنا وتاريخنا وكنيستنا، نأكل نفس طعام أسلافنا، وننقل حكمة أسلافنا، نحن على الفور عائلة، نعم، سيجد المرء الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والضغوط السياسية مختلفة في كل مكان يقيم فيه أرمن الشتات، على سبيل المثال، في بلد واحد، حيث نجد نحن الأرمن الأمن الاقتصادي والسلامة والمساواة والاعتراف بالإبادة الجماعية، يمكننا بعد ذلك المضي قدماً في مجالات الحياة الأخرى: التعليم المتقدم والنجاح في العمل والابتكار وحرية التعبير، في بلدان أخرى، قد يجد الأرمن أنهم يعملون على تحقيق الأسس الأساسية في الحياة مثل التوظيف والأمن والسلامة
والتعليم الجيد لأطفالهم.
لا تتمتع جميع هذه المواقع الجغرافية بمستوى واحد من الرفاهية والتقدم في هذا الوقت، ولكن دائماً، بغض النظر عن الظروف، نحن الأرمن في جميع أنحاء العالم، في كل مكان، نحيي الذكرى ونتذكر دائماً، سواء في أرمينيا أو الولايات المتحدة أو الهند أو سوريا أو العراق، نحن الأرمن متحدون في يوم الاعتراف بالإبادة الجماعية بقلب واحد وعقل واحد: لإحياء ذكرى وتكريم مذبحة 1.5 مليون أرمني بريء من أسلافنا وعائلاتنا. أينما كنا، في ذلك اليوم نجتمع ونتحد لنفس الغرض، الاعتراف. حتى أولئك الذين يعيشون في تركيا يشعرون بنفس الوحدة في ذلك اليوم، سواء استطعنا قول ذلك بصوت عالٍ أم لا، فنحن متحدون كعائلة واحدة من الأرمن في هذه القضية.
• هل هناك مطالب بالاعتراف بالإبادة الجماعية من الحكومة العراقية أو البرلمان العراقي؟
- نعم. في كل مكان نعيش فيه كأرمن نطالب العالم بالاستجابة، بالطبع، نحن نفهم عالم المصالح الستراتيجية وطبيعة العلاقات السياسية بين الدول، ونفهم مدى وحدود قدرتنا في التعبير عن أنفسنا، نفهم أن العراق لن يعرض علاقته مع تركيا للخطر بالنسبة لمطالب الاعتراف بالإبادة، ولكن، بما أن الأرمن يعيشون بسلام وإنتاجية في هذا البلد لعدة قرون، فمن واجبنا أن نطلب من حكومتنا الاعتراف بما حدث.
من المهم أن نتذكر أن إبادتنا الجماعية تمثل الظلم ضد البشرية جمعاء، وليس الأرمن فقط، جاءت الكلمة نفسها، “إلإبادة الجماعية Genocide» “ كمصطلح تبنته الأمم المتحدة، بسبب المذابح والمأسي التي جرت للأرمن على أيدي الأتراك، وستستمر دورة الظلم هذه إذا لم يعترف بها العالم، وجميعنا نتذكر كلمات هتلر عندما أراد إبادة شعوب أوروبا: “من، بعد كل شيء، من يتحدث اليوم عن إبادة الأرمن؟».
مقعد برلماني
• ما هو مصير مطالب الأرمن بالحصول على مقعد في البرلمان الاتحادي العراقي على أساس قومي؟
- حاول الأرمن الحصول على مقعد في الماضي، ولكن جرت معارضة هذا التوجه من قبل مجموعات أخرى، بالطبع، نريد التمثيل في الحكومة، يوجد في برلمان إقليم كردستان مقعد للأرمن، فلماذا لا يوجد على مستوى البرلمان الاتحادي؟ هناك 5 مقاعد للمسيحيين، ولم نكن نطلب أخذ واحد منها، بل نطلب فقط مقعداً إضافياً واحداً لتمثيل الأرمن على أساس قومي.
نعتقد بأننا خدمنا في هذا البلد كمواطنين مخلصين ونستحق هذا الصوت، لقد ساهمنا في المجتمع هنا، خدم أولادنا الصغار في الجيش عند الحاجة إليهم. كالوست سركيس كولبنكيان، المعروف بمستر 5 ٪ كان له دور فعال في التفاوض على حصص الحكومة العراقية من استخراج النفط لأول مرة في العراق في عشرينيات القرن العشرين، ولقد استثمرنا من نواح كثيرة في اقتصاد هذا البلد لعدة قرون، لماذا إذن لا يمكن أن نحصل على مقعد واحد وصوت واحد ورأي واحد من بين الكثيرين؟.
• ما هي طبيعة التمثيل الأرمني في ظل الحكومة والبرلمان الحاليين، وكيف تصف علاقة الطائفة بالحكومة العراقية؟
- علاقتنا مع الحكومة جيدة جداً، إذ يميل الأرمن إلى أن يكونوا مواطنين صالحين، ليس فقط في العراق، ولكن أينما ذهبوا في جميع أنحاء العالم، يخبرنا تعليمنا المسيحي بأن نكون مواطنين صالحين في البلد الذي نعيش فيه، ونحن نلتزم بذلك.
بدءاً من كيفورك نزاريان (بحسب الروايات، فإن السلطان العثماني مراد الرابع، الذي احتل بغداد عام 1638، أراد تقديم هدية إلى مساعده قائد المدفعية، باشي كيفورك نزاريان، فطلب هذا الأخير أرضاً لتشييد كنيسة لأبناء قومه، وهكذا بنيت كنيسة القديسة مريم العذراء للأرمن الأرثوذكس التي شيدت عام 1639 م)، كان ميلنا هو العمل بجد والحفاظ على هويتنا وخدمة شعبنا وخدمة الله، جميع شعبنا الناجح الذي عاش في هذا البلد خدم هذا البلد بإخلاص. كان لدينا أطباء ومهندسون أدوا خدماتهم هنا لصالح جميع العراقيين، كما ذكرت من قبل، خدم أولادنا الصغار في الجيش حين الحاجة، الأرمن ملتزمون بالقانون ولدينا علاقة محترمة مع الحكومة الاتحادية.
• ما هي ظروف الأرمن في إقليم كردستان العراق مقارنة بظروفهم في ظل الحكومة الاتحادية في بغداد؟
- بصفتي رئيس طائفة الأرمن في العراق، الذي يشمل إقليم كردستان، أرى في زياراتي أن الأرمن ليس لديهم ما يثير القلق في الإقليم، استقر العديد من الأرمن هناك، نشعر بالأمان والراحة في هذه المنطقة، وهناك المزيد من الفرص في الإقليم للأرمن، لديهم قدر أكبر من الأمن الوظيفي وفرص العمل والسلامة والاستقرار، ففي المدارس العامة المحلية في المنطقة، هناك فصول أرمنية، نحن معروفون كمجموعة قومية، ولدينا مقعد في برلمان الإقليم، قد يكون هذا تمثيلاً رمزياً، لكنه ذو شأن بالنسبة لنا، عندما يتعلق الأمر بالروتين الحكومي، فإن بعض الأعمال الورقية الحكومية الرسمية تتم بشكل أسرع وأسهل في إقليم كردستان منها في الحكومة المركزية، إذ يدعم
الإقليم الأرمن جيداً.
الشعب الأرمني
• ولدت في لبنان وعشت مدة في أرمينيا وتنقلت بين كندا والولايات المتحدة والهند وأخيراً في العراق، كيف تنظر إلى سياق الوجود والحضور الأرمني بين هذه الدول على نحو مقارن؟ وهل يُشكّل الأرمن في بعضها قوة أو لوبيات ضاغطة باتجاه تحقيق المطالب الأرمنية أكثر من غيرها؟
- في جميع الأماكن التي خدمتها في جميع أنحاء العالم، عاش الأرمن مندمجين بالمجتمعات المختلفة، كانت معظم خدمتي في الولايات المتحدة، حيث لم أواجه أي مشاكل، وللتفكير بعبارات أوسع، هذه ليست قضية تخص الأرمن دون ما عداهم من الأقليات، بل هي تشمل الجميع، نحن أقلية لأننا مسيحيون، ولكن الحمد لله منذ أن قدمت إلى هنا، لم أرَ أي قضايا مثيرة للقلق (في العراق)، فمع الحكومة الجديدة وجهود رئيس الوزراء، رأيت تقلص نقاط التفتيش الأمنية واكتساب شعور بالأمان على أساس يومي، أشعر بالأمان هنا عندما أخرج إلى المدينة للاجتماعات،
أو عندما أخرج وأمشي.
بالطبع، في الولايات المتحدة لدينا لوبيات أرمنية قوية جداً ونشطة جداً، وتعمل مع حكومة الولايات المتحدة للاعتراف بالقضايا السياسية الأرمنية في جميع أنحاء العالم، وهذا صحيح بالنسبة لكندا أيضاً.
• ما هي قيمة المطالب الأرمنية للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن من قبل الحكومة التركية الحالية؟
- القيمة لا يمكن قياسها. يجب ألا ندير أعيننا بعيداً عن أي جريمة، وجريمة بهذا الحجم تتجاوز الفكر العقلاني. ما نوع العالم الذي سنعيش فيه إذا كان هذا هو المعيار؟ نحن الأرمن نود أن نرى الجبر والتعويض، ففي حالة المحرقة (الهولوكوست)، اعترف الألمان بالفظاعات التي ارتكبها هتلر في العالم، مما سمح لـ(الضحايا) بتحقيق بعض الشعور بالسلام والشفاء، بينما في حالتنا، واصلت الحكومة التركية إنكار ما حصل ومحاولة تزييفه، إنها جريمة تمثل ظلماً على مستوى المجتمع الدولي. إن 1.5 مليون من شعبنا البريء تعرضوا للاضطهاد على أيدي الأتراك، نود أن يرقد أسلافنا في سلام ونود أن يسود الشعور بالعدالة حتى نتمكن من تحقيق جزء من السلام.
المسيرة الروحية
تم انتخاب الارشمندريت أوشاكان كولكوليان مطراناً جديداً لطائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق في 13 أيار 2022، وهو من مواليد بيروت – لبنان، وقد خدم في العديد من البلدان، في كاثولوكسية أجميادزين المقدسة في الفترة (حزيران 1986- نيسان 1987)، وانتقل بعدها إلى مدينة فانكوفر في مقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا وأصبح راعياً لكنيسة الأرمن هناك في الفترة (1987 - 1988)، وفي الفترة (1990 - 1993) أصبح راعي كنيسة القديس هاكوب في مدينة ريجموند في ولاية فرجينيا الأميركية، وفي عام 1993 انتقل إلى كنيسة القديس فارتان في نيويورك ثم إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان في ميامي - فلوريدا وأصبح في عام 1994 راعياً للكنيسة هناك.
وفي عام 2001 تم تعيينه من قبل الكاثوليكوس كاريكين الثاني عضواً في اللجنة المنظمة لاحتفالات الكنيسة الأرمنية بمناسبة مرور 1700 عام على تبني أرمينيا الدين المسيحي، وفي عام 2002 ساهم في تطوير مكتب أبرشية الساحل الشرقي في نيويورك وكذلك خدم كقس زائر لكنائس الأبرشية.
في عام 2003 عيّن راعياً لكنيسة القديس نزاريت في كلكتا بالهند، وفي عام 2005 تولى مسؤولية مدير المدرسة الأرمنية الإنسانية في كلكتا، إلى جانب رعايته لكافة الكنائس الأرمنية في الهند، وبقي في هذا المنصب لغاية أيار 2009 إذ رجع بعدها الى أبرشية الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية وتم تعيينه راعياً لكنيسة القديس ساهاك والقديس ميسروب في ولاية بنسلفانيا وخدم هناك لغاية انتخابه مطرانا لطائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق وانتقاله إلى بغداد في حزيران 2022.