ما يجب أن يقال عن السودان

آراء 2023/05/09
...

 محمد صالح صدقيان 

 اندلعت الحرب في السودان في 15 نيسان/ ابريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح اسماعيل الذي يتولی رئاسة مجلس السيادة الانتقالي؛ وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي» الذي يشغل نائب رئيس المجلس المذكور؛ والعنوان الصارخ لهذه الحرب «السلطة» «الثروة» و»اسرائيل».

صراع المواقع وتقاطع المصالح هي الصفة الغالبة علی النزاع بين رجلين في بلد يعاني من تنوع قبلي اثنيني مناطقي مرعب ومخيف يسيل لعاب العابثين والمارقين والمتربصين بالسودان الدوائر الذي دفع جنوب السودان للانفصال وتاسيس جمهورية بائسة فاشلة علی التوقيت الاسرائيلي.

في السودان اليوم مشهدان. 

مشهدٌ يتحرك فوق الطاولة علی خلفية الخلاف بين البرهان وحميدتي.

واخر اهم من الاول يتحرك بضوء خافت تحت الطاولة علی انغام مصالح اقليمية ودولية متعددة.

مانلمسه من المشهد الاول تاسيس مجلس السيادة الانتقالي بقيادة الجيش في نيسان/ ابريل 2019 عقب الانقلاب ضد الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم السودان لثلاث عقود حيث مالت الكفة لصالح العسكريين خلال سنوات حكمه الاخيرة.

وفي تشرين الاول/ اكتوبر 2021 اطاح البرهان وحميدتي بحكومة مدنية تراسها الخبير الاقتصادي في الامم المتحدة عبد الله حمدوك؛ ما لبث وعاد بفعل ضغوط دولية الا انه اضطر لمغادرة الوزارة نهائيا في كانون الثاني/ يناير 2022 وسط تزايد حدة التوترات مع الجيش وتنامي الاحتجاجات في الشارع. 

مشهدية البرهان وحميدتي كانت واضحة منذ توليهما منصبيهما في مرحلة ما بعد البشير.

الاول ينتمي الی مؤسسة رسمية ينحدر معظم قادتها البارزين من وسط السودان وشماله؛ بينما يقود حميدتي قوات لايتجاوز تشكيلها عقدين من الزمان والتي نشئت بالاصل لمحاربة التمرد في اقليم دارفور، الذي يعاني من تهميش الدول المركزية ونخبها. 

القوی المدنية الممثلة بقوی اعلان «الحرية والتغير» حاولت اصلاح ذات البين حيث توصلت في كانون الاول/ ديسمبر 2022 لــ «اتفاق اطاري» من ارساء حكم مدني بعد الاتفاق علی دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة لكن الطرفين اختلفا حول مهلة انجاز هذا الدمج وهيكلية قيادة الجيش. 

هناك قضية تتعلق بالمناطقية التي تأكل أوكلها في السودان خصوصا في مؤسسة مصيرية كالجيش.

 فالبرهان ينحدر من بلده قندتو الواقعة في شمال السودان، وهي منطقة هيمنت علی المشهد السياسي طوال عقود في حين ينتمي حميدتي الی منطقة دارفور المهمشة في غرب البلاد والذي راس قوات «الدعم السريع»، التي كانت تٌعرف سابقا بمليشيا الجنجويد.

وهو يطمح للسيطرة علی العاصمة الخرطوم وازاحة البرهان والجلوس علی كرسي قيادة المجلس السيادة الانتقالي وقيادة الجيش. 

هذا ببساطة هو المشهد المعروض فوق الطاولة؛ اما الآخر الذي يتحرك تحت الطاولة فتشارك فيه دول اقليمية ومنظمات دولية وقوی خارجية؛ كل منهما يملك مصالح تتقاطع مع بعضها البعض لكن الهدف الاكبر والمخيف ذلك الذي تقوده اسرائيل لتقسيم السودان استمرار لجهودها الرامية في انفصال جنوب السودان وتشكيل دولة «السودان الجنوبي». 

ففي هذا المشهد هناك 20 الف مقاتل من دولة تشاد والسودان شاركوا في ليبيا الی جانب القائد العسكري خليفة حفتر ومليشيا فاغنر الروسية، وهذه المشاركة كان لها كبير الاثر في دعم قوات «الردع السريع».

وفي المشهد ذاته؛ فرنسا التي تملك نفوذا كبيرا في وسط افريقيا والتي تبحث عن الثروة وتحديدا الذهب؛ هي ليست بعيدة عن التطورات السودانية وهي داخلة بمنافسة شديدة مع مليشيات فاغنر التي تريد هي الاخری الاستيلاء علی مناجم الذهب، اضافة الی رغبتها في التواجد الروسي في المنطقة.

مصر الدولة المعنية اكثر من غيرها بهذه التطورات هي في قلب المعادلة وهي تدعم البرهان لاسباب جيوسياسية يتعلق بمياه النيل المتنازع عليه مع اثيوبيا ورغبتها بتوحيد الجيش السوداني تحت قيادة عبد الفتاح البرهان. 

تشاد تقف ضد حميدتي وتعمل علی دعم القبائل ضده في حين تقف اثيوبيا وكينيا وارتيريا مع حميدتي لاسباب اقتصادية مائية أمنية وقبائلية، حيث التقی حميدتي رؤساء هذه الدول قبل اندلاع الحرب، مع التذكير أن اثيوبيا تدعم دف

في الجانب الاخر؛ يمسك الاتحاد الافريقي، الذي نجح بحل عديد المشكلات الافريقية العصا السودانية من الوسط، داعيا للحوار، بسبب تقاطعات المشهد الداخلي والخارجي والاقليمي. 

يبقی الكيان الاسرائيلي الذي يحاول التصيد بالماء العكر، وله الفضل الكبير في المعارك التي يشهدها السودان وصولا لهدفه الستراتيجي في «تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، خصوصا أن السودان جزء من جبهة «الصمود والتصدي»، التي تشكلت بعد زيارة الرئيس المصري انور السادات الی الكيان الاسرائيلي، ومن عاصمتها الخرطوم انطلقت اللاءات الثلاث ضد اسرائيل. 

هذا الكيان بدأ نفوذه في القارة السوداء منذ العام 1993 وهو الآن يملك بعلاقات ونفوذ مع 40 دولة افريقية، وأنه دائما يضمن 37 صوتا افريقيا في لجان منظمة الامم المتحدة. 

أهمية السودان لهذا الكيان أولا انه يقع ضمن شعاره الستراتيجي «من النيل الی الفرات»؛ وهو مهم باعتباره أقرب نقطة لافريقيا؛ إضافة الی اهميته الاقتصادية؛ ورابعا انه يحتضن مسار نهر النيل المرتبط بالامن الغذائي والحياتي لمصر؛ وخامسا أنه هش أمنيا عسكريا مهيأ للتقسيم، وهو الهدف الاسرائيلي الجيواستراتيجي.

لقد حاول الكيان الاسرائيلي طرح مبادرة لجمع البرهان وحميدتي للجلوس علی طاولة مصالحة في تل ابيب علی التوقيت الاسرائيلي، لكنها لم تنجح حتى الآن. 

استنادا إلی هذه المشهدية المعقدة والمتقاطعة؛ كيف ستكون نهاية الحرب؟ الجواب علی هكذا سؤال ليس سهلا، لأن النهاية تعتمد علی قوة الطرفين في الميدان؛ ومن سيفوز في هذا الميدان المعقد، فإنه سيحصل علی دعم جميع الأطراف، التي تتربص بالسودان الدوائر، خصوصا أن سودان خارج الحرب سيحتاج للجميع من أجل إعادة ما دمرته الحرب؛ إلا أن الاكيد أن سودان بعد نيسان ابريل لن يكون كما قبلها، وأن الحرب ستحمل معها تعقيدات جديدة لن يدفع ضريبتها سوی الشعب السوداني، الذي ليس له غير الله انه نعم المولی ونعم 

النصير.