تتويج ملك بريطانيا واستذكار مقتل ملك العراق

آراء 2023/05/10
...

   عبد الحليم الرهيمي

شهدت لندن مباشرة، ومعها المدن البريطانية الأخرى والكثير من بلدان العالم، عبر شاشات التلفزة ‏الاحتفالات الضخمة والمهيبة، لتتويج الامير تشارلز الثالث ملكاً على بريطانيا ودول الكومنولث، وهي ‏الاحتفالات التي وصفت بأنها الاكبر منذ سبعة عقود، اي منذ تتويج الملكة اليزابيث الثانية والدة الملك الجديد ‏عام 1953.

وقد اتسمت هذه الاحتفالات بفعالياتها المختلفة بألوانها وعروضها، أحياءً لتقاليد ألف عام ‏للملكية البريطانية، منذ الملكية الاستبدادية إلى الملكية الليبرالية في العصر الراهن، وبالطبع فقد حضر هذه ‏الاحتفالات نحو ألف مدعو من بريطانيا ومن مسؤولين كبار من مختلف دول العالم.‏

وهنا يمكن الافتراض أن الكثير من العراقيين الذين عاشوا وشهدوا العهد الملكي (1921-1958) في سنواته ‏الاخيرة أو قرؤوا عنه تالياً، وشاهدوا الآن مظاهر الاحتفالات الضخمة لتويج ملك بريطانيا الجديد، قد استذكروا ‏بأسف ومرارة شديدين ما حل بآخر ملوك العراق، وهو الملك الشاب فيصل الثاني (وعمره 22 عاماً)، وأفراد اسرته، ‏وهم يحملون المصاحف ويتوسلون قاتليهم الاستعداد للتنازل عن العرش ومغادرة العراق وعدم ارتكاب جريمة ‏قتلهم المروعة في قصر الرحاب، لكن دون جدوى حيث أقدم أحد الضباط وجنوده بإطلاق النار على كل أفراد ‏الأسرة الملكية المتواجدين دون أن يرف له جفن.‏

ربما لم يؤيّد كثير من العراقيين النظام الملكي سابقاً بوجوده وحتى بعد إطاحته، سواء من الذين عايشوا ذلك ‏العهد أو سمعوا وقرؤوا عنه، لكن ذلك لم ولن يبرر ارتكاب مجزرة قصر الرحاب الرهيبة أو يقبل بها، حتى أولئك الرافضون أو المعارضون للحكم الملكي.. فلماذا وقعت تلك المجزرة، ولماذا أطيح بالعهد الملكي؟ ‏

لعل النظام الملكي في بريطانيا الذي يبلغ عمره الألف عام، وبقي رغم رفض البريطانيين له في مرحلة الاستبداد، ‏والتي تلتها مرحلة الديمقراطية الليبرالية التي شرعنت تأييدهم له، لا يمكن مقارنته والانظمة الملكية ‏الديمقراطية الآخرى بالملكية في العراق ومآلها، بعد نحو اربعين عاماً من حكم العراق. ‏

غير تعامل الضباط المصريين الذين قاموا بانقلاب – ثورة 23 يوليو – تموز عام 1952 الذي اتسم بالرحمة ‏والهدوء بالطلب من الملك فاروق، التنازل عن العرش ومغادرة مصر هو وأسرته ففعل فتمت معاملته باحترام، ‏هو المثال الاقرب المفترض الأخذ به في تعامل ضباط انقلاب – ثورة 14 تموز –  يوليو 1958 وحركة ‏الضباط 

الاحرار.‏

وخلال العقود الستة التي مرت على الاطاحة بالملكية في العراق، لم توجه سوى انتقادات قليلة لمبررات اطاحة ‏النظام الملكي، وارتكاب مجزرة قصر الرحاب، بل إن بعض المراجعات لما حدث بقيت بعيدة عن ذكر الحقائق ‏والوقائع التي مهدت وهيأت وعملت من أجل حصول ذلك!‏

وبالطبع فإن اللوم لا يوجه فقط إلى حركة الضباط الاحرار واختيار تبريرها، بجعل الضابط العبوسي هو كبش ‏الفداء، إنما اللوم الحقيقي يوجه ايضاً إلى (جبهة الاتحاد الوطني) وأحزابها، التي أعلن عن تشكيلها عام ‏‏1957 اي قبل عام من 14 تموز، وكانت المحرض الرئيس لحركة الضباط الاحرار للقيام بالانقلاب وحتى قبل ‏تأسيس الجبهة، التي شكلت الغطاء السياسي المطلوب لسعي وقرار هذه الحركة لأطاحة النظام الملكي وما رافق ‏ذلك من أحداث.‏

وهذا يعني أن أحزاب الجبهة قد ساهمت بانقلاب اسقاط الملكية وبمجزرة قصر الرحاب،  وهي بذلك مسؤولة أدبياً ‏وسياسياً واخلاقياً – أقله – عما حصل في ذلك التاريخ، ولم يقم اي منها بمراجعة نقدية حقيقية ومخلصة لنقد ‏وتوضيح تلك الاحداث ومدى مسؤوليتها 

فيها.‏

ولعل مشاهدة احتفالات تتويج ملك جديد لبريطانيا يدفع دعاة العنف وقسوته للتأمل بدلالات تلك الاحتفالات، لا ‏من أجل إعادة النظام الملكي، وهذا غير ممكن، بل من أجل التخلص من أساليب العنف في السياسة وفي ‏تغيير الانظمة السياسية والالتزام بالطرق السلمية وغير العنفية بقناعة حقيقية.‏