فاشية عادية

ثقافة 2023/05/10
...

  كاظم الحسن


تبقى ظاهرة الفاشية لغزًا غامضا ومحيرا ليس من السهولة سبر اغورها وتتعدد الاسئلة عنها وكيفية صعودها في بلد متطور مثل المانيا وايطاليا ، هذا ماتدور عنه فكرة الكتاب للروائي والكاتب زهير الجزائري، وهذه المادة شغلته منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي . وكما يقول الجزائري :بين الخوف ووعي الخوف كنت أسجل يوميات صعود الحزب الواحد ،والفرد الواحد داخل الحزب..الفاشية الام ..في منفاي الاول ببيروت أواخر السبعينات Hفلت من رقابة السلطة ولم افلت من رقابتي على نفسي . اردت ان اخرج من اعتمادي على شدة العنف مقياسا ومن التشبيه العشوائي إلى المعرفة الموضوعية وأسجل في يومياتي مادة هذا الكتاب لمعرفةنقاط اللقاء والافتراق بين اللويثيان الفاشي وبين الأبناء. صدر هذاالكتاب عام 1984عن دار نشر وهمية في قبرص  وفي هذه الفترة بالذات صدر بعيدا عني دون تدقيق في النص أو الهوامش. اعدت صياغة هذا الكتاب محافظا على اساسه السابق، ولكن بإضافة مصادر لاحقة واعيد طبع الكتاب في فترة الفوضى غير الخلاقة التي سادت بعد "الربيع العربي"، الذي اطاح بالدكتاتوريات دون أن يحقق انتصارا على ارثها الفاشي. ومن الاسئلة التي تدور في مخيلة العالم هي كيف استطاع هتلر السيطرة على الأمة الالمانية المتنورة، يذكر الجزائري أن النازية تحاول تنويم مجنديها الجدد، الذين ينقصهم التجانس بطريقة صوفية غامضة يشارك فيها الجميع وتمهد القاعة لدخول الساحر "هتلر" الذي كان قبل  سنوات يقضي وقته "وحيدا في غرفته يراقب صراع الفئران على كسرة الخبز أويتمرن على الخطابة امام 

المرآة". 

يتساءل لوكاش في"كتابه تحطيم العقل" كيف تبنى جمهور الماني بهذه الكثرة، تلك الأسطورة الصبيانية التي نشرها هتلر؟ كيف تقبل الالماني المتنور مفهوم الارادة الاسطورية عند شوبنهاور ونبوءات زرادشت والاساطير التاريخية في كتاب شبنجلر "سقوط الغرب"؟!. في كتابه "ما قبل الهزيمة". يصف  الكاتب روبرت بارزيلاخ مشاعر الألمان قبل الصعودالنازي "في هذه السنوات كنا نبحث في داخلنا عن سبب الهزيمة. ونبحث حولنا عن شكل للتحقق القومي، وفي كل مكان ترتفع الصرخة: أيتها الأمة استيقظي! ولكن ما من أحد يريد أن يستيقظ. كنا نترقب ظهور بطل او نبي يشبه اتاتورك يعيد للأمة هيبتها. فكرة البطل المخلص كانت راسخة آنذاك في المخيال الالماني لدرجة أن هناك 200 نصب على شكل برج لبسمارك، باعتباره البطل الذي وحد الأمة الألمانية وأعاد لها هيبتها. 

وقد كانت البطولة الفردية في صلب فلسفة شوبنهاور ونيتشه اللذين رفعا هذا البطل الفرد فوق الدولة. وعن الأيديولوجيا الفاشلة تولياتي قال : " لا شيء يشبه الحرباء كالأيديولوجيا الفاشية"، ويؤكد نيومان في كتابه (البيموث) عن تشريح الدولة الكلية "ليس للنازية اية نظرية للمجتمع بالمعنى المفهوم للكلمة، ولا أي تصور متماسك لكيفية عمله وبنيته وتطوره، بل إن لها بعض الغايات التي تسعى إلى تحقيقها، وهي تكيف بياناتها بمقتضى سلسلة الأهداف الدائمة التغير". وكان موسوليني نفسه يقول: "نحن الفاشيين لا نملك عقائد جاهزة،عقيدتنا هي الواقع. وكان العدد الاول من جريدة الفاشية (البوبلو)، الذي أعلن ميلاد الفاشية كان يحمل في أعلاه شعارا يقول (من يملك الحديد يملك الخبز). 

وعن العرق والمجال الحيوي وضع ارثر جوبينو أسس الفلسفة العرقية، عندما نشر بحوثه في أربعة مجلدات بعنوان "رسالة في تفاوت البشر"، واعتمد على دلائل فيزيائية لإثبات تفوق الجنس الاوروبي . وقد اعتبر، وهو فرنسي، أن الجنس الروماني يمتلك الحق في قيادة الأجناس الأدنى. وهو من قال بأن امتزاج الأجناس يؤدي الى انحطاط الأجناس العليا.