رزاق عداي
يظهر أن الأحزاب السياسية بطولها وعرضها التي حكمت العراق منذ 2003 لا تملك اي برنامج ولا رؤية ولا حتى حد ادنى من ثقافة في مجال الاقتصاد، فظلت تردد طيلة العشرين سنة الماضية أنها بصدد تطوير القطاع الخاص، ولكنها لم تتخذ أو تتقدم باية مبادرة أو مشروع يؤكد مصداقيتها، والذي من شأنه أن يؤكد هذا المسار، والدليل الصارخ هو الموازنة الراهنة، فهي إنفاقية بامتياز وباذخة بلا معنى، ولنا أن ناخذ مثلاً مخصصات الرئاسات التي تتجاوز الترليونات، وهذه الأموال المخصصة بالأساس تشبه (النثرية) يحصل عليها رؤساء الرئاسات والوزارات وحتى المدراء العامون ونواب كل هؤلاء كمصرف يومي، ولأغراض كمالية لا قيمة انتاجية لها، بقدر ما هي وسائل بهرجة واستعراض، فنائب لرئيس جمهورية سابق عندما كان يحصل على مليون دولار شهريا باعترافه، بعنوان منافع اجتماعية، فدون شك أن هذا المبلغ يعدُّ مبلغا كبيراً جدا اذا ما حُول إلى الدينار العراقي، فكيف الحال اذا ما عرفنا أن قانون الموازنة الاخير، الذي يناقش هذه الايام في البرلمان فهو يخصص أكثر من مليون نائب رئيس الجمهورية السابق بكثير، أي أن منحنى الهدر هو في حالة تصاعد مضطرد، مع هامش صغير في مجال الاستثمار وغياب أية خطة في دعم وتطوير القطاع الخاص.
الصين بحجمها الكبير، تمكن ( كنغ هسياو بنغ) في سنوات التسعينات أن يؤسس ويرعى قطاعا خاصا اخترق اقتصاد الصين الاشتراكي الصلب، وجعله يتفوق كثيرا على القطاع الحكومي البليد، بل راح القطاع العام يتحفز ويزيد في الانتاج والنوعية بهاجس تنافسي مع القطاع الخاص إلى الدرجة، التي تشكلت متغيرات اجتماعية طريفة، كأن يكون هناك عدد من المليادرية الصناعيين اعضاء في الحزب الشيوعي الصيني، ودون شك حصل كل هذا بفضل البرنامج والرؤية الاقتصادية الواضحة والطموحة.
إنَّ تنويع مصادر الاقتصاد العراقي يعتبر أحد التحديات المصرية ذات البعد المستقبلي، التي تواجه الحكومات العراقية لغرض مغادرة القطاع الريعي، ذي المصدر الواحد، الذي يتعين عليه ترك النمط القائم على تخصيص الجزء الأكبر من عائدات الصادرات النفطية للاستهلاك العام (تحت تأثير الالتباس في فهم معنى الاقتصاد الحر في العراق، واقتصار هذا المعنى على تكريس السياسة التجارية، لخدمة نزعة الاستهلاك الاستيرادي المنفلت والسيئ الأثر بكل المقاييس).
الجانب الثاني، أن من المستحيل تكليف قطاع أو انشطة مستنزفة وهزيلة ومتشظية الامكانات كأنشطة القطاع الخاص العراقي (الهامشية والطفيلية في الغالب، بحجم هائل من المسؤوليات الاقتصادية، التي هي من المهام الرئيسة للحكومات (كدعم وتفعيل قطاعات الزراعة والري والطاقة والبناء والتشييد والارتقاء بالوضع المزري للبنى التحتية).
ما يمكن استنتاجه في قضية تنمية القطاع الخاص في العراق، هو انه ينبغي ألا يتقاطع العراق في تطلعاته التنموية عن مسارات التجارب التي حصلت في بلدان العالم، وتحديدا في سنوات النصف الثاني في القرن العشرين والتي تميزت في تدخل الدولة مباشرة في تطوير القطاع الخاص وتنميته، كما حصل في سنغافورة وكوريا الجنوبية والصين والفيتنام، تبقى هناك النقطة الحاسمة الاساسية والتي ينبغي ان تتوفر، وهي ملازمة تنامي الوعي السياسي والاقتصادي الستراتيجي للطبقة السياسية الحاكمة وتعمق الادراك لديها لضرورة القطاع الخاص واهميته في حل الكثير من المعظلات وفي طليعتها البطالة، التي بدات تتفاقم وتشكل خطورة كبيرة على مستوى المستقبل المنظور.