مقالون ومُنتَظِرون

آراء 2023/05/11
...

 د.عبد الخالق حسن


لم يكن ما حصل قبل أيام في جلسة مجلس الوزراء، التي جرى فيها التصويت على إقالة (57) مديراً عاماً بين أصيل ووكيل، لم يكن ما حصل أمراً معتاداً في العملية السياسية، لجهة العدد، ولطبيعة الإدارة التنفيذية الجديدة التي لا تنظر إلى التوافق، قدر رؤيتها وتفكيرها بالإنجاز، ومغادرة الذهنية الإدارية التقليدية التي اعتدناها سابقاً، والتي لم تفكر بالنزول إلى جذور المشكلات الإدارية، بدلاً من الاكتفاء بأعلاها. قد يقول البعض، إنَّ هذه الحكومة في الأصل قد ولدت عن طريق التوافق تحت مظلة( إئتلاف إدارة الدولة)، وهو أمر صحيح، لكن مسؤولية هذا الإئتلاف تتوقف عند الصلاحيات الحصرية لرئيس مجلس الوزراء، والتي عمل رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني على تفعيلها وتشغيلها عند طاقتها القصوى. وهو أمر يقع تحت المادة (٧٦) من الدستور التي فوَّضت رئيس مجلس الوزراء بالإدارة التنفيذية، ورسم سياساتها. طوال سنوات، كانت الناس تشتكي من خراب مستمر، وتعطُّل لمصالحها، وسوء إدارة لأمورها المتعلقة بالحوانب الخدمية والاقتصادية. فالروتين الإداري يجعل أي مراجع للدوائر الحكومية يفقد أعصابه وعقله، تحت ضغط التلكؤ غير المبرر. وملفات الخدمات الأساسية جعلت المواطنين يعيشون في بيئة مخجلة ولا تليق ببلد يمتلك ما يمتلكه العراق من ثروات وإمكانيات مادية. وكلُّ هذا سببه غياب الرقابة والمتابعة الفاعلة التي تحصي الإنجازات. لهذا، تأخرت المشاريع التي وضع لها حجر أساس لسنوات طويلة، وتأخر إنجازها بسبب تقاطعات إدارية بين دوائر الدولة، فضلاً عن انشغال الكثير من المسؤولين في الدرجات الخاصة بمصالحهم الحزبية والذاتية، وعدم اهتمامهم بأداء مهمتهم على الوجه الأمثل. لذلك، فإن المعيار الذي سارت عليه حكومة السيد السوداني، من خلال إجراء تقييمات شاملة للأداء الإداري لمن هم في الدرجات الخاصة، هو معيار يبعد المنصب عن مساحة المغانم، ويجعله فرصةً حقيقيةً للذين يمتلكون شعوراً بالمسؤولية، ويفكرون بخدمة الناس، دون التفكير بالبحث أرباح المنصب.

الإقالات التي شملت مسؤولين رفيعي المستوى، تجعل الآخرين يقفون في مفترق طرق، بين أن يحتفظوا بمناصبهم تكريماً لهم على حسن الإدارة، وبين أن يلتحقوا بالمقالين الذين غادروا مناصبهم بسبب الفشل والإخفاق.

وربما لن يقف الأمر عند هذا الحد من الدرجات الخاصة، بل إن بعض الوزراء قد يفقدون مناصبهم إذا ما أتت تقييماتهم بشكل سلبي. وهنا تأتي مسؤولية القوى السياسية التي رعت هذه الحكومة، وشكَّلتها عبر التحالف الواسع. فإطلاق يد رئيس مجلس الوزراء، وبسطها وعدم تقييدها، سيجعل النجاح الحكومي هو نجاح لجميع هذه القوى. بمعنى، أن تُترك حرية الاختيار لرئيس مجلس الوزراء في إعادة رسم الخريطة الإدارية التنفيذية، كونه الأعرف والأقدر على كشف جوانب الخلل التي تعطِّل عمل حكومته. إنَّها مسؤولية أخلاقية ووطنية وشرعية أمام القوى السياسية، لتثبت حسن نوايا أمام أبناء الشعب الذين طال انتظارهم، وبليت على أرواحهم ثياب الصبر والأمل التي ارتدوها منذ سنوات، وهم يحلمون بالحصول على أبسط متطلبات المعيشة اليومية.