الاتّهام والتأثير في المجتمع

آراء 2023/05/13
...

 علي لفتة سعيد

ليس هناك أقسى من توجيه الاتهام. مثلما ليس هناك أكثر قساوة، حين يتم تداول الاتهام على أنه الجريمة الكبرى التي يجب محاسبة مرتكبيها، دون النظر إلى أن الاتهام هو جزء من السلوك العام، الذي أصبح عليه المجتمع ضمن موجة الحرية، متناسين أن الاتهام دون دليل هو جريمة وليس حرية رأي.

لكن السؤال.. متى يكون الاتهام قاسًيا وغير مبرّر وأنه حجّة ضعيفة يلجأ مطلقها كونه ضعيف الحجّة ولا يواجه الدليل بالدليل أو النقاش أو حتى المجادلة؟

متى يمكن أن يكون اللجوء إلى الاتهام مفيدًا ونافعًا ومقدّرًا له أن يكون هو الحجّة؟

لا شيء يقف أمام الاتهام مهما تنوّعت الحجج أو تعدّدت، ولا يمكن قبول الاتهام على أنه وسيلة دفاع عن أمرٍ يعتقد أن الآخر يريد سلبه أو التقليل منه أو الانتقاص أو حتى محوه وتغيير قناعات الناس فيه. 

كون الاتهام لا يولد الحقيقة ولا يعد حقيقةً خاصة إذا كان مصدره مجرّد ردّة فعلٍ على فعلٍ اعتقد أنه أي مطلق الاتهام يمسّه أو أثّر عليه.

تنتاب الكثير من الكتابات فصول من الاتهامات، إذا ما اختلف الرأي فيها أو تنوعت المصالح أو أن فيها رأيا آخر يرتبط بهذه الجهة أو تلك التي يتم توجيه الاتهام لها.. ولهذا فإن مرد هذه الاتهامات يتحدّد بالكثير من الأسر، من بينها ضعف الشخصية وعدم قدرتها على المناقشة ووضع النقاط وتوضيح المقاصد وتحليل المعلومات وتأويل المستتر وتفكيك المعنى.. أو أنها لا تملك الوعي الثقافي التي يؤهّلها لأن تقود الحوار إلى جهاتها.. أو أنها لا تمتلك الحجّة المقابلة لما تم طرحه.. وكذلك أنها شخصية ضعيفة سريعة الانفعال وتستفز بسرعة وتكون واقعة تحت تأثير ردّة الفعل التي هي أقوى من الفعل المقابل.

فضلًا عن أنها شخصية لا تملك الوازع المؤهّل لأن تكون شخصية قادرة على إمساك الأعصاب لحظة الغضب.. أو أنها شخصية تستغل الموضوع لصالحها وتأليب الرأي العام أو أنها كارهة للشخصية الأخرى وتبحث عن زلّاتٍ ترتكبها، حتى لو كانت هذه الزلّات مرهونةً بظروفها أو أنها حقا تستحق النقد والانتقاد وليس توجيه التهم.. أو أنها تشعر بالغبن أيضا لأنها شخصية محترمة لكن الآخر محاها أو تركها خلفه أو لم يعد يهتم بها، رغم أنه شخصية مهمة في وسطه، ولهذا فان اجتماع كلّ هذه النقاط يؤدّي إلى توقيع الاتهام على أنه دلالة فعل وليس ردة

فعل.

إن الاتهام رغم تنوعه لكنه يبقى اتّهامًا.. وهنا لا نتحدّث عن الجانب القانوني له من أن المتهم بريءٌ حتى تثبت إدانته، بل هنا على الاتهام الذي يأتي كردّة فعل مختصرة عن الأنواع التي ذكرناها دون التمحّص فيها، وسيكون الاتهام ذاته هو الموضوع الذي يركّز عليه من يتّبع شخصية مطلق الاتهام، وهو بالتأكيد ليس وحده في الساحة، بل معه الكثيرون ممّن يحملون على هذه الجهة أو تلك آراء معينة أو مواقف محدّدة أو سياسات ملعونة أو انتماءات مقصودة أو حتى قوميات مشهودة، ولهذا فإن الاتهام يتبع انتماء الشخصية.. فاذا ما كان المطلق من قومية أخرى فإن أبسط اتّهام سيكون الآخر على أنه شوفييني.. وإن كان من حزبٍ آخر فإنه ذيل، وإن كان غير منتمٍ، فالآخر عميل وخائن و(جوكري) وألعنها وأقساها إذا ما كان من طائفةٍ أخرى داخل الدين الواحد فهو طائفي، حتى لو كان الشخص الآخر من ذات الطبقة كأن تكون مثقّفة لا تنتمي إلى أيّ من الجهات في تعاملها الثقافي والإنساني.

إن العقل الباطن هو الذي يحرّك هذه الانفعالات ولا يدري إن هذا الاتهام القاسي سيؤدّي إلى تفكيك أواصر المجتمع، وإن مرحلة الشخصنة قد تتحوّل إلى رأي عام، وأن هناك دوما من يتصيّد بالماء العكر استغلالًا لموقفٍ سابق.. ومن هنا يتحوّل الوعي إلى عملية صيد لزلّات الآخرين، قد تكون مقصودة أو مقصودة ولكنها بكلّ تأكيدٍ لا يمكن مقابلها بإطلاق 

الاتهامات. 

فخطورتها لا تكمن أنها موجّهةٌ إلى طرفٍ معيّن يراد تسقيطه أو تنبيهه أو حتى معاقبته لخطأ ارتكبه، بل كونها ستتحوّل إلى رأيٍ عام، ومن ثم إلى ظاهرةٍ وقد تتحوّل إلى ثقافةٍ وسلوكٍ، حينها سيكون الأمر صعبًا ولا ينفع معه ردّ الاتهام ولا الردّ على الأمر بذات الطريقة، وسيكون الاتّهام ذاته يقابله اتّهام آخر.. الموضوع كلّه قد لا يخرج منذ البدء بتوجيه لوم على المحسوبية أو قلّة الوعي أو التصرّف الخاطئ دون توجيه الاتهام.. فالتهمة سهم قد يخترق القلب، ولا نفع بعدها للتنفّس الاصطناعي إن فعل السهم فعله.. فقد يمرّ وهو في الطريق بحالات تسمّمٍ عديدةٍ يساهم فيها السابحون في الماء السياسي العكر أو حتى الفكر المعاكس.