بغداد: غيداء البياتي
لا تستطيع الاربعينية منى بهنام مسيحية الديانة العيش بعيدا عن صديقاتها المسلمات، فهي تحتفظ بأجمل الذكريات معهن منذ صغر سنها على ما تقول وتضيف : إن «العيش المشترك يحصن أفراد المجتمع من المخاطر، التي تحيط به حيث لا يمكن للإنسان أن يعيش لوحده في عالم منعزل دون أن يختلط بجاره وأصحابه في مكان الإقامة أو العمل والدراسة، كما أن عليه أن يعيش بسلام مع الجميع بغض النظر عن اختلاف الديانة أو المذهب أو اللون والجنس أو حتى الاختلاف بالرأي، الذي لا يفسد بالود قضية على ما يقول المثل، لذلك فالحافظ على العلاقات والتواصل بين افراد المجتمع يجب أن يبنيا على الحب والود والتسامح والسلام».
بهنام أكدت أن «التعايش السلمي ينبغي أن ينطلق من مبدأ الاحترام المتبادل والثقة بالآخر، فضلا عن الرغبة الحقيقية في التعاون المثمر، من أجل المضي قدما والنهوض بالمجتمعات، وهذا حتما يصب في النفع العام».
مفهوم الإنسانيَّة
اما الكاتبة عفاف فاضل بهائية الديانة أشارت للتعايش السلمي إلى أنه يقتضي عدم ازاحة أو تهميش الآخر، بسبب اعتقاده الديني لأن ذلك أمر خاص لكل انسان، كونه خلق حرا، وأن الإنسان يجب أن يعيش مع أخيه الإنسان، وفق مفهوم الانسانية، وهذا الذي يجمعنا نحن بني البشر على هذه الأرض، وتستطرد فاضل «لا أتخيل حياتي دون أن أزور جاري المسلم أو أسمع صوت صديقتي الكردية، أو أزور جيران الطفولة بمنطقتي السابقة بين الحين والآخر من السنة أو الشيعة او الصابئة وأسعد بلقائهم، بل لا يمكن أن اتخيل حياتي دونهم، وهذا ما يؤكد على العيش السلمي داخل البلد الواحد».
ولأن اليوم العالمي للسلام يوافق السادس عشر من الشهر الحالي فإن صفحة «الأسرة والمجتمع» أجرت لقاءات مع شخصيات من أطياف المجتمع العراقي، لمعرفة آرائهم لما لهذا الموضوع من أهمية كبيرة تسهم في الحفاظ على البنيان المرصوص لأبناء البلد.
سيادة العدل
عضو الهيئة العليا ومسؤول العلاقات في المجمع الفقهي العراقي د. عبد الكريم الخزرجي قال لـ»الاسرة والمجتمع»:»إن التعايش السلمي يعد من ضرورات ما يرتكز عليه نجاح السلم العالمي والمجتمعي، والتعايش دعا اليه الاسلام وحث عليه المسلمون وأمرهم بأن يحافظوا عليه في كل مرحلة من مراحل الحياة مهما تمر عليهم من ظروف، كما يجب أن يحرصوا على تحقيقه في ضوء نصوص من القرآن الكريم، وقال تعالى» يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، وهذا التعارف لا يتحقق الا بالتعايش، اما في نصوص السنة النبوية، فقد قال الرسول الكريم (ص) «الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى»، وبذلك نستنبط من القرآن والسنة قانون العدل والمساواة، وكيف أنهما لا يتحققان الا بالتعايش ومعرفة كل منا قيمة وقدر الآخر، وأن يسود العدل بين الناس حينها سيتحقق التعايش بشكل صحيح، ونحن الآن نحتاج أن نفهم حقيقة الاعتزاز، لكل منا بدينه ومذهبه وبطائفته، وذلك يتحقق باحترام الآخر وحسن التعايش معه، في ضوء بلد تغايرت مذاهبه وتعددت مشاربه وتنوعت طوائفه، وبالرغم من ذلك فالعراق يجمع الكل ويسعهم بمساجدهم وحسينياتهم وكنائسهم، بعيدا عن التطرف والطائفية والعرقية والقومية، مشكلا لوحة عنوانها العراق واطارها الشعب بكل طوائفه».
ترسيخ الأفضليَّة
رئيسة إدارة مؤسسة برج بابل للتطوير الاعلامي الفنانة والناشطة المدنية ذكرى سرسم، تحدثت عن التعايش السلمي وكيف يمكن أن يكون الوضع بفقدانه داخل المجتمع العراقي فقالت:» هناك عوامل وخطوات مهمة ينبغي ترسيخها لتحقيق السلم المجتمعي والتعايش بين الأطياف المختلفة، ولعلَّ أهمها هو المناهج التدريسية، خاصة لمراحل الطفولة في ما يخص اختلاف الأديان والقوميات، حيث للأسف لا تزال مناهجنا ترسخ اولوية سطوة الاغلبية، سواء من حيث كون الأغلبية تتدين بالدين الاسلامي، أو لكون أغلبية السكان من القومية العربية، وترسيخ شعور الافضلية لدى الطفل، كونه أفضل من أقرانه نتيجة انتمائه الديني او الطائفي او القومي، وهذا سيجعل من المستحيل لاحقا تحقيق اي سلم وتعايش مجتمعي».
سرسم أوضحت أن :مجتمعنا يحتاج الى سنوات طويلة، كي يستطيع أن يؤمن بالرأي الآخر والانتماء الديني والعرقي المختلف، وبدون ذلك سيبقى الموضوع مجرد شعارات تعايش تنسفها أول إطلاقة رصاصة في نزاع عشائري أو عرقي أو مذهبي، لذلك فإن السلم المجتمعي ترسخه العدالة وقيم المساواة على أساس المواطنة، ونحن ما زلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق ذلك.