المسؤول عندما تكون مملكته من قش

آراء 2023/05/14
...







 حسب الله يحيى 


المسؤول ـ اي مسؤول ـ سواء كانت مسؤوليته في ادارة بيته أو دائرته.. لا بد أن يتمتع بخصائص تميزه عن سواه من أفراد بيته أو دائرته.

هذه الخصائص هي التي تضعه في موقع المسؤولية عن جدارة.

جدارة في الإدارة، وجدارة في الخبرة، وجدارة في اتخاذه قدوة مثلى من بين جميع المحيطين به، بوصفه أنموذجا أخلاقيا محمودا وحكيما، وعلى وفرة من الشعور بحاجات ومستلزمات الناس، ومستلزمات العمل السليم والمنتج.

غير أن كثرة ممن يتولون إدارة الوزارات والدوائر والمؤسسات؛ هم في الأساس لا قدرة لهم على ادارة بيوتهم، أو صف من صفوف مدرسة ابتدائية، أو فريق رياضي.. فكيف بهم وهم يتولون ادارة مجتمع بكامله من دون خبرة ولا دراية بالعمل ولا بشؤون الناس، مثلما لا يعرفون دورهم في انتاج ـ ليس بالضرورة اقتصاديا ـ وإنما ادارة وعي ونشر خطاب معرفي مضاف؟.

مثل هؤلاء فائضون عن حاجة المجتمع اصلا، لانهم نشؤوا عبيدا، يؤمرون لأداء أدنى الخدمات، وليس امامهم سوى الطاعة، والطاعة العمياء هي التي وضعتهم في موقع ثقة ودعم رؤسائهم. 

حتى إذا أصبحوا هم أنفسهم، والذي كانوا بالأمس عبيدا يؤمرون فيستجيبون، قد أصبحوا (أسيادا) يأمرون بالباطل وبالنفاق، وبمسح الكتف وتقبيل اليد.

ويحسبون أن كل هذا من صفات الإدارة (الناجحة)، وأن النهي عن الحق والامر بالكذب وتشكيل فريق من المرتزقة والمنافقين والولائيين لادارته، بوصفهم هم وليس من أحد سواهم.

من (يعمر) و (يدير) الادوار في الدائرة على وفق مشيئة مسؤول لا يسأل عما قدمت دائرته من خدمات للمواطنين!.

علما أن كل هذه الوجاهة، وهذا الترف، وهذه الرواتب الباذخة، التي تغدق على مسؤول لا يعرف صاحبها كيف يقيم توصلا وانسجاما مع نفسه قبل الانسجام والتواصل مع الآخرين، ومع أساليب العمل الحقيقي المنتج.

هذا المسؤول المفرغ من المحتوى، كيف بوسعه احتواء من يختلفون معه حول هذه المسألة أو تلك في طبيعة العمل والسلوك معا.. ولا علينا أن يكون بوسعه التباهي بعدد من المنافقين حوله، وحول من سبقه ومن سيليه مستقبلا.  

المسؤول، قدوة حسنة، ليس على صعيد زرع قيم الحقة والعدل والفضيلة والمساواة وتفهم الظروف المحيطة بالعاملين معه حسب؛ وإنما بمدى استثمار كل القوى البشرية، لكي يكون الجميع مسهما في دار سعيدة موفقة في حياتها، ودائرة يجد فيها كل العاملين ما يسرهم في العمل ويبهج صدورهم في العطاء، وهم يعملون بمعية مسؤول ناجح يتقن إدارة شؤون الأفراد، مثلما يتقن إدارة العمل المنتج الفعّال.

المسؤول الناجح، لا بدَّ أن يسأل نفسه، عما قدم من خدمات توازي وتتفوق على ما تنفقه الدولة عليه من أموال الشعب، فضلا عن الامتيازات والمخصصات.. وما إذا كانت له القدرة على تقديم معادل يوزايها ويتفوق عليها، بحيث يصبح عاملا مضافا منتجا، لا عاملا مستهلكا وسالبا لاموال لا يستحقها اصلا، بل هو من يبدد اموالًا وضعت في كف لا تؤتمن على أمن وسلامة ومحبة الناس حسب؛ وإنما هو يستثمرها في شؤون لا شأن له بها أبدا، بوصفها أموالا اؤتمن عليها، فإذا هو يبددها بطرق غير مشروعة، تشرعنها له ادارة حسابات لا تحسب لعوامل الزمن حسابا في أي تغيير، وأن كل شيء مآله النهاية، فإذا كانت النهايات ناجحة وموفقة بورك أصحابها، أما اذا كان العكس فإن مآل كل باطل هو الحساب العسير. 

حساب لا تسقط فيه الأباطيل والظلم بتقادم الزمن، ذلك أن الزمن كفيل بكشف جوهر كل انسان، سواء تقدم به الحال والمال، أو بقي عليه لأمد زمني معين.

الزمن في تغيير، وكل تغيير لا بد أن يكشف معادن الآخرين، وما اقترفته أياديهم من تعسف وترف وغبن للاخرين.

الآخرون.. ليسوا الجحيم.. الآخرون هم بناة المستقبل. المستقبل، ملك يمين العدل والانصاف ونبل الاهداف، وشرف العمل والمسؤولية النقية النبيلة في ادارة الامور من البيت إلى ادارة الدولة، ولم يكن ولن يكون ملكا لمملكة بنيت على زيف على قش، فالزيف مآله السقوط والزيف قش هو في النهاية إلى تلاشٍ امام أول عاصفة 

تمر.