فلسفة وفقه القانون في الحياة المعاصرة

آراء 2023/05/14
...

 فارس حامد عبد الكريم

 تعد فلسفة القانون حلقة الوصل بين الفلسفة وعلم أصول القانون بفروعه المختلفة. وقد قيل بحق أن القانون يتطور بتطور فلسفة المجتمع الذي ينشأ به. ويلاحظ ان هناك نظامين قانونيين رئيسين أولهما؛ النظام اللاتيني الذي تعود جذوره إلى فلاسفة اليونان والرومان، الذي تبناه نابليون عند تقنين القانون المدني الفرنسي عام 1804، النافذ إلى اليوم، ومن بعده العديد من الدول الأوروبية والعربية.

 وثانيهما؛ النظام الانكلوسكسوني الذي يتبنى الأعراف القضائية تطور بتطور القضاء الانكليزي والامريكي، مهتدياً بتطويره بعبارة شهيرة مفادها بأن «العدالة تسيل من ضمير الملك).

ولا تشكل الثقافة القانونية في مجتمعاتنا إلا حيزًا محدوداً، ولحداثة التجربة الديمقراطية في العراق، ورسوخ الفكر القانوني الدكتاتوري في اغلب التشريعات النافذة، التي ساهمت في عرقلة التجربة الديمقراطية الناشئة، فمن المتوقع أن تثار بشأن فهم الدستور والقانون وتفسيرهما نزاعات، ما ينبغي أن تسود الثقافة القانونية العامة لعموم الشع، كقرين للممارسة الديمقراطية، ليكونوا على بينة من حقوقهم وواجباتهم للمساهمة في خلق ثقافة عامة تمارس الحريات العامة باسلوب حضاري، يساهم في تنمية عوامل الخلق والإبداع في المجتمع، لما للثقافة القانونية من أدوار جوهرية في الحياة المعاصرة، منها إدراك حدود الحقوق والحريات العامة وتوجيه عوامل التقدم، ومكافحة كل ما هو ظالم وغير معقول.

 ولا يحتج على ذلك باختلاف القوانين، فنظريات علم القانون ذات طبيعة عالمية ومن نظرياته المستقرة تستقي منها التشريعات الوطنية احكامها، فالقانون ليس مجرد نصوص محلية مثبتة في نصوص التشريعات، ولو وجدت اختلافات فإنها لا تمس جوهر أركان 

الواقعة.

فالأحكام المتعلقة بالأشخاص المعنوية (الدولة، الشركة)، مستمدة من نظرية الشخص المعنوي وإحكام المديونية مستمدة من نظرية الإلتزام لاتينية 

الأصل.

 فالقاعدة القانونية تتكون من عنصري الفرض والحكم؛ والفرض وهو الأهم قضاءً، هو الواقعة التي برزت إلى العالم الخارجي، بينما الحكم هو الأثر المترتب على تلك الواقعة، فالنص على أنه (من يرتكب جريمة قتل عمدا يعاقب بالاعدام) فالقتل هو الفرض والإعدام هو الحكم، وتتطلب أعمال الفرض، لصلتها بصفة التجريد، عملاً عقلياً خالصا، كالتفسير المنطقي والاستنباط والتكييف القانوني للواقعة، أما أعمال الحكم فيتجسد بصورة مدد زمنية أو حسابات مادية واضحة، بل إن اجراءات التحقيق والمحاكمة حتى ختام المرافعة تدور كلها حول تحقق فرض القاعدة من عدمه، ولا تناقش ضرورة العقوبة إلا بعد ختام المرافعة، والفروض متشابهة أو متقاربة في النظام اللاتيني، فأركان جريمة القتل أو السرقة مثلاً وعمليات التكييف بشأنها هي ذاتها في فرنسا أو مصر أو في العراق.

 ومن هنا كان الالتجاء إلى الفقه والقضاء الأجنبي والدراسة في كليات القانون الأجنبية ممكناً، ولو كانت الفروض عرضة للتغيير الدائم لأصبحت الدراسة والبحوث القانونية شبه مستحيلة، لان ذلك يعني انهيارا للفقه القانوني القائم، بينما نجد أن تغير حكم القاعدة في مختلف الدول لا يتطلب سوى القراءة المادية في متون تلك القوانين. ونصت الفقرة (3) من القانون المدني العراقي (وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه في العراق، ثم في البلاد الأخرى، التي تتقارب قوانينها مع القوانين

 العراقية).

إن اسلوب الشرح على المتون الذي ساد القرون الماضية، والسائد ليومنا هذا في العراق أسهم في تكوين ثقافة قانونية عملية محدودة، وهذه ليست هي المقصودة بدعوتنا هذه، لأن هذا النوع من الدراسات من عوامل جمود القانون لا من عوامل

 تطوره.


 *النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية