استثمار تبييض الأموال

آراء 2023/05/14
...

 بشيرخزعل


لم يكن ارتفاع اسعار العقارات في أغلب المدن العراقية متأتيا من فراغ، وخصوصا في المناطق التجارية والراقية ومساحات الأراضي المميزة، اسعار تفوق الخيال في مقدار المبالغ، التي تشترى بها تلك العقارات، حتى أنها فاقت أسعار العقارات في بلدان أوروبية كثيرة، ثم انتقلت حمى هذا الارتفاع إلى المناطق الأقل تصنيفا من حيث موقعها الجغرافي في بغداد وباقي المحافظات العراقية، فبعد أن ضاق الخناق على تهريب ملايين الدولارات من عمليات الفساد الاداري، ارتدت تلك الاموال إلى الداخل لتبحث لها عن مجال تصرف فيه، ولم يكن أحسن من العقارات منفذا، لاستيعاب تلك الأموال الضخمة التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، حتى أن وزارة العدل اضطرت لاستحداث شعبة في دائرة التسجيل العقاري لمتابعة عمليات غسيل الأموال عن طريق بيع وشراء العقارات، وانعكس الضرر على المواطن البسيط واصحاب الدخل المحدود بثلاثة اضعاف مما كان عليه الامر في عمليات تهريب الاموال إلى الخارج، فلم يعد شراء اي عقار ممكنا لهذه الطبقة التي تستلف من المصارف وقروض الاسكان بعد أن أصبح سعر المتر الواحد في مناطق متوسطة وشعبية بحدود  مليوني دينار عراقي، اي بمعنى مئة متر مربع من الارض يكون سعرها مئتي مليون دينار عراقي، من دون تكاليف البناء التي تصل إلى حدود 80 مليون دينار عراقي، والحديث هنا عن تكاليف بناء عن مئة متر مربع فقط، اما اذا زادت مساحة الارض عن ذلك، فالتكاليف سترتفع حسب مساحة البناء، اما الحديث عن المناطق الراقية فله شجنٌ آخر، اذ وصل سعر المتر الواحد إلى 12 الف دولار اميركي، هذه الأرقام الكبيرة بالمقارنة مع رواتب الموظفين والكادحين واصحاب الدخل المحدود فهم بحاجة إلى 90 سنة لجمع مبلغ لبناء مئة متر مربع من الأرض، الضرر الكبير الذي لحق بالناس جراء صعوبة الحصول حتى على وحدة سكنية متواضعة، زاد من صعوبته الارتفاع الهائل في أسعار العقارات، بعد أن هجم الفاسدون وتجار المخدرات على شراء كل ما يقع تحت ناظرهم من أراضٍ وعقارات للتدليس عن حجم الاموال، التي يملكونها، بعد امتلأت خزائنهم بمليارات الدولارات، التي جمعت من سرقة اموال الشعب على حساب أمنه الاجتماعي والصحي، ولعلَّ الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت هجمة كبيرة على شراء العقارات في العاصمة بغداد، سواء في المناطق السكنية أو التجارية، ترافقت ايضا مع حصول عمليات فساد كبيرة في الحكومة السابقة، من بينها سرقة الأمانات الضريبية (سرقة القرن) وغيرها، التي اتضح أن غالبية أموالها صرفت على شراء عقارات في مناطق تجارية ببغداد، واجب الحكومة الحالية وهيئة النزاهة الاتحادية والبنك المركزي العراقي، هو تدقيق مصادر الأموال عند التقدم لشراء العقار وقبل تثبيت بياناته في السجل العقاري للدولة، وليس المقصود هنا المواطن البسيط، الذي يشتري عقارا بمبالغ اعتيادية، بل نتحدث عن العقارات التي تشترى بمليارات الدنانير العراقية أو ملايين الدولارات الاميركية.

 مساءلة أصحاب الأموال المتضخمة واخضاعهم للمساءلة والرقابة المالية، لإيقاف عمليات تبيض الاموال وسد الثغرات، التي تسمح لسراق المال العام بتملك عقارات بأسعار مبالغ بها بحاجة إلى تحديث القانون الحالي، للتسجيل العقاري الذي يعود للعام 1971 اذ ينبغي تعديله بتحديثات جديدة تواكب ما موجود حالياً من تحديات كثيرة تواجه الدولة العراقية.